في ذلك اليوم المفعم بالكرامة 23 آب 1982، شعر اللبنانيون أنهم في دولة، منذ لحظة إعلان الشيخ بشير الجميّل رئيساً للجمهورية. إنه يوم انتصار لبنان، يوم التأسيس لوطن الكرامة والحرية والسيادة، مع وصول قائد المقاومة اللبنانية الى سدة الرئاسة، أي ولادة جديدة لمشروع الدولة القوية التي نحلم بها، دولة الحق والقانون والمساواة، برئاسة رجل دولة قلّ نظيره.
قائد يتحلى بالعزيمة والتصميم والإرادة الحقيقية، هو الرئيس الشجاع المتمرّد صاحب شعار” لبنان أولاً “، الثائر دائماً بهدف إحقاق الحق، الذي جمع من حوله خلال واحد وعشرين يوماً كل طوائف لبنان، التي رأت فيه خير رئيس موّحد لجمهورية لطالما كانت مشلعّة…
بشير نجح في أن يجعل من ذلك النصر قوة لجميع اللبنانيين، عبر وعوده المطمئنة لهم، فحكم قبل أن يُقسم اليمين الدستورية، بعد أن تأكد الجميع أنه آتٍ لبناء الوطن المهدّم، فحوّله الى الجمهورية الحلم الذي وعد بها، مختصراً خلال أيام ويلات الوطن الصغير، فكان السهم الذي أتى في مهمة محدّدة هي 10452 كلم مرّبع، فبقيت كلماته وصايا وكأنه يخطّها اليوم، فحين نسمع تلك الخطابات نعتقد للحظات أنّ بشير حيّ معنا، فنعتذر من ذلك الرئيس الذي لم نستطع تحقيق حلمه، ونسترجع ذكرى ذلك الانتصار، علّه يعيد لنا بعض الأمل المفقود منذ غيابه.
اليوم نستذكر أقواله التي تحاكي أوجاع الوطن، في ظل اللادولة التي نعيش انهياراتها اليومية وسقوط مؤسساتها، وغياب مسؤوليها الذين حوّلوا لبنان الى مساحات سوداء، تحوي الجثث والنعوش والدماء والعتمة الحالكة في قلوب كل اللبنانيين.
ما يدفعنا الى السؤال:” ماذا لو بقيت حيّاً وكان الأمر للجمهورية؟، جمهورية حلمنا بها على مدى عقود، دولة قوية لا تحوي الدويلات ولا السلاح الميليشياوي ولا الدخلاء ولا أصحاب الولاء الخارجي، ولا الغرباء ولا الوصايات، ولا أصحاب “الأمر لي أو أنا أو لا أحد…”، والى ما هنالك من شواذات لم يكن لبشير أن يسمح بها. ولكن هيهات من كل هذا، في ظل ما يجري اليوم من خلافات وانقسامات ومصالح خاصة تطغى على مصلحة لبنان التي كانت الشغل الشاغل لبشير.
في الختام نؤكد، بشير كان ولا يزال وسيبقى رئيساً في قلوب اللبنانيين ووجدانهم وذاكرتهم…