قال خبير عسكري إن الغارة على مجمع مدني في محيط مخيم عين الحلوة، والتي أوقعت عددا كبيرا من الضحايا بين قتيل وجريح، جاءت لتشكل الإشارة الأكثر وضوحا على هذا التحول. فالموقع الذي طالته الغارة يتكون من مرافق مخصصة للأنشطة الرياضية والترفيهية، ما يعكس انتقال الضربات من استهدافات ذات طابع عسكري إلى ضرب مساحات يستخدمها مدنيون بشكل يومي. وسرعان ما انسحب أثر الغارة على المدينة ومحيطها، فأقفلت المدارس أبوابها وشهد المخيم إضرابا عاما، في انعكاس مباشر لحجم الصدمة التي أصابت البيئة المدنية".
أضاف الخبير: "ومع استهداف سيارة في بلدة الطيري الحدودية وإصابة حافلة خلفها كانت تقل طلابا، بدا أن المشهد يتكرر بالنمط نفسه، حيث يتحول المدنيون إلى جزء من بنك الأهداف، سواء بشكل مباشر أو عبر نتائج جانبية محسوبة ضمن هامش الخسائر التي باتت إسرائيل تتعامل معها كأمر اعتيادي. هذا التطور يعيد إلى الواجهة المقارنة بين ما التزمت به إسرائيل في تفاهم أبريل 1996 لجهة تحييد المدنيين، وما يجري اليوم من ضربات لا تكترث لهذا المبدأ ولا للمناشدات الدولية المرتبطة به".
وأوضح ان "هذا السلوك يضع لبنان أمام معادلة شديدة التعقيد، إذ تتعامل الدولة مع التزامات القرار 1701 واتفاق وقف العمليات الحربية، فيما تتوسع إسرائيل في الخروقات التي تطاول المنازل والمركبات المدنية والبنى الحيوية في القرى الجنوبية. ويأتي ذلك في ظل تراجع فعالية الآلية الدولية المعروفة بالميكانيزم، والتي كانت تضطلع بدور أساسي في ضبط الانتهاكات وتدوينها واحتوائها، لكنها تبدو اليوم عاجزة عن فرض أي ضوابط أو ردع حقيقي".
وأشار إلى انه "لا تقتصر التداعيات على البعد الإنساني أو القانوني فحسب، بل تتعداهما إلى رسائل سياسية وأمنية متعددة المستويات. فاستهداف مخيم عين الحلوة، بحسب القراءة العسكرية، يأتي ضمن سياق تعامل إسرائيلي تقليدي مع المخيمات باعتبارها بيئات يجب ضربها وإضعافها، وهو امتداد للنهج ذاته في الضفة الغربية وغزة. كما يحمل الاستهداف دلالات تجاه الدولة اللبنانية لجهة إبراز استمرار وجود السلاح داخل المخيمات، وتاليا التشكيك في قدرة المؤسسات اللبنانية على فرض سيادتها في هذه البقع الحساسة".
ولفت إلى ان "ضربة الطيري، وما رافقها من إصابة طلاب، تسلك مسار الضغط النفسي على المجتمع الجنوبي، عبر استهدافات تطال الحركة اليومية والبنى المدنية، بما يجعل الخوف جزءا من الحياة اليومية. وتتقاطع هذه الرسائل مع ضغوط أخرى تمارسها جهات دولية على لبنان، بينها إجراءات مرتبطة بالمراقبة العسكرية والتفتيش الميداني داخل القرى الجنوبية تحت عنوان تعزيز آليات الضبط".