مع طوي الحرب في اوكرانيا شهرها الاول يطرح السؤال عن مصير هذه الحرب وماذا تحقق وما يمكن ان يحصل مستقبلا .الاجابة على هذا السؤال يجب ان تأخذ في اعتبارها العناصر التالية :
اولا : فشل خطة الرئيس فلاديمير بوتين في حسم الحرب لصالحه الى الان وفقا لما كان يخطط له من الاستيلاء على كييف العاصمة خلال ايام وقلب نظام الرئيس فولوديمير زيلنسكي وتنصيب حكومة موالية لموسكو . فمع مرور شهر على بدء الغزو الروسي لا تزال القوات الروسية غارقة في مواقعها تواجه الجيش والشعب الاوكرانيين دون التمكن الى الان من السيطرة على اي من المدن من اقصى شرق اوكرانيا الى تخوم العاصمة كييف شمالا وماريوبول جنوبا . فيستعيض الجيش الروسي بالقصف والتدمير للتغطية على غياب اي تقدم داخل المدن .
ثانيا : المفاجأة الكبرى التي وبقدر ما اغاظت الرئيس بوتين وفاجأته بقدر ما اثارت اعجاب الرأي العام الدولي والحكومات وشجعتهم على الدعم الا وهي المقاومة الباسلة الشعب الاوكراني وقدرة الاوكرانيين على الصمود امام الة الموت والتدمير الروسية . ولعل في هذا الصمود البطولي ما يذكرنا في لبنان بالمقاومة والصمود الذي واجه فريق من اللبنانيين المؤامرة الكبرى التي حيكت في السبعينات ضد لبنان عندما احتل من قبل الفلسطينيين ومن ثم السوريين حيث واجهوا مقاومة لبنانية اربكت المخططين الاقليميين والدوليين وغيرت الكثير من الحسابات وبدلت الكثير من الحسابات .فالمقاومة الاوكرانية بدلت الحسابات وخلطت اوراق موسكو والغرب ووضعت الجميع في الخارج امام مسؤولياته ومن هنا تدفق الدعم العسكري والمساعدات الانسانية واالاستنفار السياسي والديبلوماسي دعما للقضية الاوكرانية .
ثالثا : مع انقضاء الشهر الاول تطورت اوروبا في مواقفها النمطية المعتادة من قارة عجوز متخبطة في تناقضاتها الى قارة عرفت الى الان كيف تستعيد المبادرة وتتوحد رغم كل اختلافاتها في مواجهة الرئيس بوتين ونصرة اوكرانيا . فلعل من بين مفاجآت الحرب على اوكرانيا ان الرئيس الروسي بغزوه اوكرانيا حقق اهداف معكوسة لاهدافه المعلنه : اذ وحد غزوه الاوروبيين وايقظ الناتو من سبات عميق وشد عصبه واحيا النزعة القومية التعصبية للاوكرانيين الذين توحدوا في الدفاع عن ارضهم رافضين الروسنة ( من روسيا ) ومصممين على الدفاع عن هويتهم وثقافتهم وتقاليدهم وتاريخهم حتى النهاية . واليوم مطروح امام الاوروبيين تحدي كبير جدا : الخيار بين القيم والمبادىء وبين المصالح والمال . انطلاقا من كلمة الرئيس الاوكراني امام الجمعية الوطنية الفرنسية امس والذي اكد على اتخاذ القرار بين هذين الخيارين . طبعا لا يخفى على احد مدى عمق وخطورة التحديات التي تواجهها اوروبا اليوم والتي تصارع حريقا بان في عقر دارها ويكاد يلتهمها لاول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية . فحرب اوكرانيا ومن بين تداعياتها انها كشفت مدى ضعف البنية الاوروبية اقتصاديا وعسكريا خارج اطار الناتو . فالاوروبيون لم يبنوا طوال عقود اقتصاد اوروبي مستقل ولا حققوا نظام دفاع عسكري واستراتيجي خاص بهم لدرجة انهم اليوم وامام ساعة الحقيقة معتمدين على روسيا للطاقة وعلى الولايات المتحدة الاميركية للمواجهة العسكرية .
هذا الاعتماد يضع اليوم اوروبا امام مأزق لخصه خير تلخيص وزير الخارجية الفرنسي السابق دومنيك دو فيلبان في مقابلة متلفزة امس عندما قال ان علينا كاوروبيين ان نتقبل الالم والمعاناة اذا اردنا الانتصار على موسكو في حربها ضد اوكرانيا .فالتضحيات المطلوبة اوروبيا جسيمة ان ارادت التوصل الى كسر بوتين وهذا ما سيكون بندا اولا على جدول اعمال مؤتمرات الناتو والدول الصناعية السبعة واجتماع الاتحاد الاوروبي اليوم الخميس بحضور الرئيس الاميركي جو بايدن .رابعا : ويبقى ان مع انقضاء الشهر الاول على الحرب في اوكرانيا يمكن بسهولة القول ان الحرب الحقيقية وان كانت على الارض الاوكرانية الا انها في الواقع تجاوزت اوكرانيا وتحولت الى مواجهة دولية بين روسيا بوتين والعالم العربي كله . فما يدور حاليا هو فعليا حرب عالمية باردة الى الان في اوكرانيا جغرافيا واقتصادية في كواليس مراكز القرار والعواصم الكبرى المعنية بالصراع وكل الاحتمالات واردة مع انقضاء الشهر الاول .فهل الرئيس بوتين المحشور ميدانيا يلجأ الى التشدد في القصف والتدمير مع توقف تقدم جيشه على الارض ؟ فمن يعرف الرئيس بوتين يعرف ان الرجل قادر على فعل اي شيىء عندما يشعر انه مهدد او خاسر بما فيه استخدام السلاح الكيماوي والنووي حتى .
ازمة اوكرانيا الدولية افرزت الى الان صراعا غير واضحة حدوده وابعاده ونزاع دولي مسدود الافق الى الان وبداية ازمة اقتصادية دولية خانقة واعادة خلط اوراق تحالفات وخصومات بما سيؤدي الى تبدل سياسات اقليمية وتغير موازين قوى دولية واقليمية ستقلب الكثير من التوازنات التي سادت حتى الامس القريب المشهد الدولي .من هنا اجماع على معطيات انتظار شهر نيسان المقبل لتبلور رؤية ما للصراع : فاما طاولة تفاوض لاعادة رسم توازنات دولية جديدة بحكم الامر الواقع واما صراع طويل سيقضي على ما تبقى من نظام عالمي قديم ويدخل العالم في مرحلة فوضى دولية مؤلمة ستفضي الى يالطا جديدة وربما هيروشيما اخرى لحسم الصراع المستفحل .