كلما وصل لبنان إلى حدود الإنفجار واشتدت الصراعات السياسية بين مكوناته، تظهر على السطح حقائق ومعطيات تفضح مؤامرات تمّت في الكواليس وأدت إلى واقع الإنهيار الحالي في كل المجالات الخدماتية وفي مقدمها مجال الطاقة. ومن ضمن هذا السياق وفي الوقت الذي يستمر فيه مسلسل الفضائح الذي تتكشّف فصوله تباعاً مع إعلان الجيش اللبناني العثور على مستودعات سرية لتخزين المحروقات في كل المناطق، ما يعني انتماء أصحابها إلى غالبية الأطراف السياسية والحزبية، تتحدث أوساط مواكبة لملف الطاقة عن أن مشكلة العجز المالي وتوفير التيار الكهربائي في لبنان، لم تكن لتبقى من دون حلّ لو عمد المسؤولون عن هذا القطاع إلى الأخذ باقتراح واحد من الإقتراحات المقدّمة على مدى الأعوام الماضية، والتي لن يكون آخرها اقتراح استجرار الغاز من مصر إلى لبنان من أجل تشغيل معامل الكهرباء بكلفة أقل من الكلفة الحالية ب 30 في المئة.
ويُشار في هذا المجال إلى أنها ليست المرة الأولى التي تبادر بها الدولة المصرية، بعدما كانت قد سبق وعرضت إمداد لبنان بالطاقة وبأسعار تنافسية، وذلك عبر الخط الذي يمر بالأردن وسوريا. وكذلك فإن سوريا وقبل العام 2011، عرضت تأمين حاجة لبنان من الكهرباء وبسعر زهيد، ولكن هذين الإقتراحين قد رُفضا، وما حصل هو الاتفاق مع سوريا على الحصول على الكهرباء ولو بشكل جزئي ومحدود جداً، مقابل أن تستمر المعادلة القائمة على توزيع عملية استيراد وتأمين المحروقات والطاقة على شركات خاصة تُعد على الأصابع وباتت تشكل ما يُعرف ب"كارتيل" النفط في لبنان، والذي يعمل كما تكشف أوساط معنيّة بالتعاون مع الجهات الرسمية.
كذلك تقول هذه الأوساط إن وزارة الطاقة قد تلقت خلال السنوات الماضية ومنذ العام 2005، أكثر من عرض لبناء معامل حديثة تؤمن إمداد لبنان كله بالكهرباء، مثل العرض الروسي ببناء معمل يشتغل بالطاقة الكهروذرية، مقابل استثماره لسنوات محددة ومن دون أي تكلفة على الدولة اللبنانية.
وعلى هذا الإيقاع، توالت العروض الخارجية، من
ألمانيا مثلاً التي قدمت مشروعاً لتأمين التيار ب600 مليون دولار يجري تقسيطها بقيمة عشرين مليون دولاراً في العام على مدى 30عاماً، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران والأردن حيث قدمت الأولى مشاريعاً في هذا الإطار وبأسعار مقبولة،
والثانية تعرض اليوم صفقة تقضي بتقديم الكهرباء مقابل الماء.
وإزاء هذا الواقع تتزايد التساؤلات والإتهامات في قطاع الطاقة، حول الأسباب الفعلية وراء إحباط كل المشاريع والإقتراحات الهادفة إلى مساعدة لبنان منذ نهاية الحرب فيه إلى اليوم ، بل والذهاب في المقابل إلى تعميق العجز المالي في هذا الإطار، وبشكل خاص وعلى سبيل المثال فقط من خلال صفقة استئجار بواخر خاصة بقيمة ٣٥٠ مليون دولاراً بالسنة من أجل تأمين الكهرباء للبنان كله، ولكن هذا الأمر لم يتحقق ولم تؤمن البواخر التيار لكل المناطق ولم تحقق الهدف المنشود منها، أي تأمين التغطية بالكامل.
لبنان كله اليوم من دون كهرباء والمستشفيات مهدّدة كما المؤسّسات والمصانع والأفران والسبب واحد، وهو أن المعنيين يرفضون ويتجاهلون الحلول العادلة ولا يعملون إلاّ وفق أجندة مصالحهم الخاصة ولو كانت الأثمان باهظة على الخزينة اللبنانية وكما هو حاصل اليوم على ودائع اللبنانيين.
وصلنا إلى واقع بتنا فيها لو أننا نعود مزرعة، لأن البلد في هذه المرحلة من الإهتراء والتحلّل والسقوط، لا يمكن تسميته حتى بالمزرعة، لأن للمزرعة قوانينها، ولبنان اليوم يعيش ب"الصدفة" ومن دون رأس يوجّه نحو الأحسن.
