يُمتحَن الذهب بالنار، تماماً كما يُمتحَن الساسة في الحروب. وفيما يبدو أن النار تتسع حالياً على “حزب الله”، وتلتهم جسده وأطرافه وبنيته العسكرية، يبدو هذا الأخير ضعيفاً، مكبَّل الأيدي، ويعاني من ارتباك واضح في رأيه وموقفه السياسي.
ليس الأمر بالغريب، الجديد أو المفاجئ. لا يمكن الطلب من الديك أن يتخذ موقفاً متزناً وهو تحت السكين، تماماً كما لا يمكن الطلب من “حزب الله” أن يكون متزناً بعدما حلّ به ما حلّ من خسائر وإذلال. ولكن، خذ عبرة من التاريخ لترى غرابة مواقف أمين عام الحزب حسن نصرالله: في السابع من آب 2021 قال الرجل إن لبنان والمنطقة هم “مسرح لسلاح الجو الإسرائيلي… ولم يكن يردعهم شيء”. هذا الموقف الواقعي قابله موقف بعد أشهر، في 11 تشرين الثاني من العام نفسه، إذ قال: “هناك قلق من قوة المشاة التي قد تدخل إلى الجليل، والقلق من صواريخ المقاومة الدقيقة ومن الحرب مع لبنان، ويحسبون لهذا الأمر ألف حساب”.
واقعية الموقف الأول تقابلها نرجسية في الموقف الثاني. يشبه اليوم الأمس تماماً، حيث يُصرّح نصرالله ويتوعد باحتلال الجليل والرد على اغتيال قياداته، فيما يعود الحزب لعدم فعل شيء، وقبول قدره وحقيقة تفوق إسرائيل عليه. يمكن للديك أن يصيح كل صباح، لكن هذا لا يعني أنه بخير أو أن يأخذه أحد على محمل الجدّ. يمكن للحزب أن يقول ما يشاء، ويُطلق الوعد قدر ما يريد، لكن الوقائع الميدانية تفيد بعكس ما يبتغي، إذ يظهر يوماً بعد آخر أنه لا يبلي بلاءً حسناً في الميدان، فيما هؤلاء الذين تجرأوا على التخطيط لعملية اقتحام الجليل من “وحدة الرضوان” تحولوا إلى قتلى تحت ركام الضاحية الجنوبية لبيروت.
مشكلة النرجسي الأساسية هي أنه لا يقرّ بضعفه، ويرى كل أحد غيره ضعيفاً وعلى خطأ، كما تتحوّل ثقته المفرطة بنفسه إلى غشاء يمنعه من رؤية الحقائق، فتعمي بصيرته. أزمة “حزب الله” الأساسية أن نرجسيته التي يمارسها على اللبنانيين أراد تطبيقها على إسرائيل. صاح الديك في وجه إسرائيل، فردّت تلك الأخيرة بقصفه. يخسر “حزب الله” يومياً عشرات المقاتلين ومخازن الأسلحة، فيما الديك لا يزال يظن أن صياحه زئير أو يخيف أحد. تمر الأيام والليالي، يخسر “حزب الله” الحرب رويداً رويداً، فيما صوت الديك شارف على الأفول وما عاد يُسمع، هذه الأيام، لا على شاشة ولا على مكبّر صوت ولا حتّى في الميدان.