كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
كما كان مرتقباً وكما ذكرت «نداء الوطن» الأسبوع الماضي، إتفقت لجنة المؤشر خلال اجتماعها أمس على رفع الحد الأدنى للأجور من 9 الى 18 مليون ليرة يُصرح به للضمان الاجتماعي ويدخل في صلب الراتب.
كما اتفق على زيادة المنح المدرسية في المدرسة الرسمية الى 4 ملايين ليرة على كل تلميذ الى حدود الأربعة تلاميذ، كما أعلن وزير العمل مصطفى بيرم الذي ترأس الإجتماع في مكتبه امس، وفي المدرسة الخاصة 12 مليوناً الى حدود الـ3 تلاميذ عن السنة الدراسية 24- 25. وقال: «وبذلك تمشي الامور على قاعدة ما لا يدرك كله لا يترك جلّه، خذ وطالب، نحاول قدر المستطاع الجمع بين مصالح كل الأطراف للوصول الى صيغة تساعد العمال وتساعد ايضاً اصحاب العمل لتجاوز الصعوبات».
وأكد بيرم أن «الوزارة سترسل مشروع مرسوم الى هيئة شورى الدولة، وصولاً الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء. كما اتفق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن يوضع على جدول أعمال أول جلسة تعقد لمجلس الوزراء».
هذه الزيادة التي تعتبر هزيلة ولا تكفي أدنى مقوّمات العيش الكريم، اعتبرتها لجنة المؤشّر وأرباب العمل أنّها إنجاز كبير في الزمن الذي نعيشه. فراتب الحدّ الأدنى بات مع تلك الزيادة نحو 200 دولار أي أقلّ نصف الحدّ الأدنى الذي كان محدّداً قبل بدء الأزمة المالية في نهاية العام 2019 الذي كان وقتها 450 دولاراً، في حين أن الأكلاف المعيشية والدراسية والصحيّة والغذائية عادت الى ما كانت عليه في السابق بل حتى أعلى بسبب التضخّم الذي ضرب ليس لبنان فحسب بل العالم بعد جائحة كورونا وحرب أوكرانيا.
هذا الرقم الذي يعتبر هزيلاً، رحّب به رئيس مجلس إدارة الضمان الإجتماعي بالانابة غازي يحيى الذي اعتبر أنه يتوجب الآن إجراء الدراسة الاكتوارية لتحديد تقدير الواردات الناتجة عن الزيادة المرتقبة. وستعمل ادارة الضمان على دراسة زيادة نسبة التقديمات في الطبابة والاستشفاء ورفع المشروع لمجلس الادارة لاقراره ومصادقته من سلطة الوصاية.
وقال يحيى لـ»نداء الوطن»: «بذلك بات الكسب الأعلى الخاضع لاشتراكات الضمان بعد ضرب الحدّ الأدنى بـ 5 مرات إستناداً الى مرسوم، ما قيمته 90 مليون ليرة بدلاً من 45 مليون ليرة. وتبلغ نسبة إشتراكات فرع تعويض نهاية الخدمة 8.5% وبذلك يفوت الموظف عليه شهر تعويض نهاية الخدمة، فإذا كان راتب المستخدم المسجّل في الضمان بقيمة 200 دولار وهو يتقاضى 500 دولار يكون خسر 300 دولار. لذلك، القانون يلزم بضرورة التصريح كلّياً عن كامل الأجر المتقاضى كي يكون الأجير خاضعاً للضمان.
وكشف يحيى أنه فضلاً عن التعميم الذي أصدره الضمان الإجتماعي بإلزام المؤسسات بالتصريح عن أجر لا يقلّ عن 20 مليون ليرة باعتبار أن الحد الأدنى لأي أجير لا يقل عن 20 مليوناً، سيصدر الضمان تعميماً آخر يحدّد كامل الأجر والتقيد بالمراسيم المرعية الإجراء، اي ان المرسوم المتعلق بالتعليم والنقل لا يخضع لعطاءات الضمان. بينما هناك قانون يرعى تطبيق رسوم الضمان على كامل الأجر الحقيقي للأجير».
وشدّد على ضرورة التصريح عن قيمة الأجر الحقيقي في الضمان من دون ربطه إلا بسقف للكسب الأعلى الخاضع لاشتراكات الضمان المحدّد بمراسيم وهو 5 أضعاف الحدّ الأدنى. أي اذا السقف في فرع المرض والأمومة محسوب 5 اضعاف يلتزم الضمان بها لسقف الأجر. فلو يتقاضى راتباً 200 مليون ليرة يتمّ تسديد الإشتراك على أساس 45 مليون ليرة (أصبحت اليوم بعد تعديل الحدّ الأدنى 90 مليون ليرة).
وتحتسب النسبة المترتبة على ربّ العمل تسديدها كما يلي: يتحمل رب العمل نسبة 22,5 في المئة من راتب الموظف كاشتراكات الضمان وهي موزّعة كالتالي: – نسبة 8 في المئة لاشتراكات فرع المرض والأمومة، نسبة 8.5 في المئة لاشتراكات فرع نهاية الخدمة مهما بلغ راتب الموظف، نسبة 6 في المئة لاشتراكات فرع التعويضات العائلية.
وفي السياق، كان للكاتب والباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة البروفسور مارون خاطر وجهة نظر مؤيدة لزيادة الرواتب شرط ان تكون مدروسة. إذ برأيه «لا يَزال لُبنان يَعيش في حَلقةٍ مُفرغة سَريعة الدَّوران تَتَسبَّبُ بِمُراوحةٍ قاتلةٍ في السياسة يَنتج عنها حَلقات مُفرغة ماليَّة واقتصاديَّة ونقديَّة ومعيشيَّة تَدفعُ بالبلد نَحو الهَاوية. يُسيطر التَّخَبُّط وتطغى العَشوائيَّة على كل ما يؤخذ من قرارات على طاوِلَة الحُكومة وفي مَجلس النُّواب ومُوازنة 2024 وَما تلاها خَيرُ دَليلٍ على ذَلك.
فَبَعدَ أقلّ مِن شَهر على إقرار قانون المُوازنة، رَفَعَت الحُكومة رَواتب القِطاع العام من دون أن يكون لمَجلس النواب حتَّى فرصة إبداء الرأي ومن دون أي تعديل على الإيرادات في موازنتها الـ»صفريَّة العَجز» كما تَزعَم. وبَعدَ أسابيعَ قَليلة على «واقِعَة» زِيادة رَواتِب القِطاع العَام، تَستَعِدُّ الحُكومة لِرَفع الحَدّ الأدنى للأجور فَيَلحَقَ القِطاع الخاصّ بالقطاع العام».
بالنسبة الى القطاع العام، يقول خاطر: «الخلاف ليس بالطَّبع حَول إذا ما كانت الزيادة مُستَحَقَّة لأنها كذلك، بل حَول إذا ما كان كل من استفاد منها يَستحقُّها.
أما بالنسبة إلى القطاع الخاص، فمقاربة الموضوع ليست أيضاً مِن ناحِيَة الاستِحقاق، بَل مِن ناحِيَة قُدرَة المؤسسات «المُنَظَّمة» والخاضعة للقانون على الصمود ومَدى التزامها فعلياً بما سَيُقَرّ. استطراداً، نُبدي خِشيَتَنا من أن تَدفع هذه الزيادات نحو تَحَوُّل المَزيد من النَّشاط الاقتصادي نَحو «إقتصاد الظلّ» المُزدهر بِسَبَب تَفَلُّت الحُدود واستبدال المَصارف بشركات تَحويل الأموال».
وإقتصادياً، يقول خاطر «في بَلَدٍ يعيش ظروفاً طبيعية، تؤدي الزيادة العشوائية للرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص إلى زيادة التَّضَخم مما يَنعكس تآكلاً للزيادة وتهاوياً إضافياً للقُدرة الشّرائية. يُصبح الأمر أكثَرَ خُطورة في بَلَدٍ يَغرق في أزماته كلبنان حيث المُراقبة معلقة (باستثناء أسواق الخُضار) والمُحاسبة مُعطَّلة والأسعار تَرتفع من دُون مُبرر أو سَبَبْ. إن تجربة سلسلة الرتب والرواتب في العام دَليل قاطعٌ على حقيقة ما نَقول.
دوامة الرواتب والأسعار
إلا أنَّ أخطر تداعيات رفع الحد الأدنى للأجور من خارج رؤية ماليَّة واقتصاديَّة واضحة يتمثل في دخول البلاد بما يُّعرَف بـ»دوامة الرواتب والأسعار» Price-Wage Spiral حيث يؤدي ارتفاع الرَّواتب إلى ارتفاع الأسعار بِسَبَب زِيادة الكِلفة مِمَّا يَتَسَبَّبُ بِرَفع الرَّواتب مجدداً… في غياب خطَّة حقيقيَّة لإعادة إطلاق القِطاعات الإنتاجيَّة ولِعَودة التَّدَفُّقات النَّقدية، تؤدي الزيادات المتلاحقة إلى تسارع انهيار القدرة الشرائيَّة وإلى جَعلِ فَترة التَّعافي أطول وأصعَب في ظل تَنَامي الاقتصاد النَّقدي». معتبراً أن «تَحديد الحَدّ الأدنى للأُجور لا يَستنِدُ فَقَط إلى مؤشر الأسعار بل إلى مُجمَل الوَضع الاقتصادي للبِلاد وإلى الرؤيَة الماليَّة والإصلاحيَّة للحكومة».
علمياً، لا يمكن تحديد حدّ أدنى للأجور في بلد اقتصاده مُنهار وقطاعه المصرفي يُحتَضَر ومؤسساتِهِ الرَّقابيَّة مُعطَّلَة وحُدودُه سائِبة وموازنته دفترية وسيئة وميزان مدفوعاته جزء من تاريخه وأُفُق الحَلّ فيه مَسدود. إنَّ تَحديد هذا السّعر وإقرارِهِ هو مِن قَبيل إيمان البَعض بأنَّ العَشوائية تَصلُحُ لأن تكون مُنطلقاً لِحُكم بَلَد وأنَّها تَصلُحُ أن تكون بديلاً للعِلم».
وبدوره تناول الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون المالية د. مروان القطب خلال تعليقه لـ»نداء الوطن» عن زيادة رواتب القطاع الخاص، تخطي بدل النقل الذي يبلغ 10,800 ملايين ليرة إذا احتسبنا ايام العمل بـ24 يوماً، قيمة الحدّ الأدنى للراتب الذي كان يبلغ 9 ملايين ليرة. وبذلك لم يعد يتناسب مع الراتب والأوضاع المعيشية والأكلاف التي يتكبّدها المواطن.
واعتبر أن هناك مبررات تحمل تعديل الحد الأدنى للأجر منها: 1- التضخم المتفاقم في لبنان، اذ إن التضخم المقدّر في البلاد استناداً الى تقرير البنك الدولي يبلغ اليوم نسبة 231% عن 2023. وقدّر التضخم الإسمي في أسعار المواد الغذائية بـ350% عن الفصل الأول من العام 2023 وهي زيادة كبيرة. 2- رفع رواتب القطاع العام خلق فجوة بالنسبة الى الأجور التي تعطى للقطاعين العام والخاص ولا يجب أن تكون موجودة».
وحدّد القطب بعض المحاذير مثل «المخاطر الناجمة عن الحروب والأوضاع الإقتصادية غير المنتعشة ومعاناة المؤسسات من النقص في السيولة النقدية المتوفرة لديها، وتأثير زيادة الأجور على الكلفة التشغيلية للمؤسسات التجارية والصناعية وأي مؤسسات الإنتاج والتوزيع، لأن ربّ العمل لا يتحمّل أن تنخفض ارباحه».
وهذا الأمر حذّر منه أيضاً خبير المحاسبة المجاز جمال ابراهيم الزغبي الذي قال لـ»نداء الوطن» إن «زيادة الحدّ الأدنى للأجر بطريقة غير مدروسة سيخفض من ربح ربّ العمل ويزيد من أكلاف اشتراكات الضمان الإجتماعي وأعباء تعويضات نهاية الخدمة الطويلة الأمد التي سيتحملها لفترات طويلة والتي تعود الى الموظف».
وبرأي الزغبي فإن زيادة الـ18 مليوناً لن يكون لها تأثير على الطبقة العاملة لأن الحد الأدنى للتصريح عن الراتب الذي حدده الضمان هو 20 مليوناً، وبالتالي يتقاضون أكثر من الزيادة المقترحة، ورب العمل سيسدد الإشتراكات على أساس 20 مليون ليرة بكل الحالات.