كتبت كريستيان الجميل
لا يمكن الحديث عن ملامح المرحلة في منطقة الشرق الأوسط في القادم من الأيام وإن كانت أصوات المعركة لا تزال هي السائدة ولمدى زمني غير واضح . وبمعزل عن الدمار والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والحشد العسكري الأميركي والبريطاني في المنطقة، والموجه بشكل رئيسي إلى إيران ثم إلى "حزب الله" في لبنان، فإن ما يرسم لمنطقة الشرق الأوسط سيغير من وجه هذه المنطقة ويخلط الأوراق ويغير الجغرافيا التي كرسها اتفاق سايكس بيكو منذ ١٠٦ أعوام.
قد يعتبر كثيرون أن تقاطع المصالح بين أميركا وإيران، ولّد اتفاقاً بين البلدين على تصفية حركة "حماس" وبالتالي "حزب الله"، فأصبحت الخطة مكشوفة و"فوق الطاولة"، إذا صح التعبير، بدليل إرسال أميركا لأساطيلها إلى البحر الميت، وضربها القوات الإيرانية في سوريا ودعمها اللامتناهي لاسرائيل.
لكن ما هو مرسوم لن يسلك بالضرورة طريق التنفيذ، حيث أن الحدود التي حددتها بريطانيا وفرنسا على أنقاض الدولة العثمانية، لم تعد قابلة للإستمرار، وتقوم وفق بعض القراءات ، واشنطن وطهران بتغييرها منذ سنوات على أساس الصراعات والحروب التي شملت كل الدول العربية من العراق إلى اليمن فسوريا ولبنان وطبعاً قطاع غزة والضفة الغربية.
ومن المعروف أن العراق وسوريا وهما جزء رئيسي من "سايكس بيكو"، قد باتا في حال من التفكك والإنهيار، وليس إعلان رئيس إقليم كردستان العراقي مسعود بارزاني منذ العام ٢٠١٦ بأن "سايكس بيكو فشلت وانتهت "، في إشارة إلى الساحة العراقية، إلا أن ما أصاب سوريا بعدها ومازال مستمراً ، سيودي إلى تقسيم الأمر الواقع ولو من دون إعلان.
أما على مستوى لبنان حيث الجبهة الأكثر حيوية والأكثر أهمية لإيران وتالياً للولايات المتحدة، يبدو واضحاً أن "حزب الله" مدركٌ لما يحدث على هذا النحو، وهو على بيّنة من كل الإتفاقيات ضده، إلا أنه ينتظر اللحظة المناسبة لإظهار ردة الفعل، على عملية النّيل من "حماس" من قبل الأميركي وليس من قبل إسرائيل، كون القرار العسكري في واشنطن في حرب غزة. وبمجرد حدوث هذا الامر حينها سيبدأ الحزب بالتحرك.
لكن مع بدء العملية البرية والتي أتت على شكل عمليات التوغل المحدود في قطاع غزة، إنقلب المشهد كما تبدل خطاب إيران وذهب وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، بشكل مفاجىء إلى نيوريورك من أجل التهدئة وإطلاق مسار التفاوض ولو تحت عنوان الأسرى لدى "حماس٠.
والثابت اليوم أن عملية المفاوضات الحقيقية بين الأقوى في العالم وهو الأميركي، والأقوى في المنطقة وهو الإيراني بعدما أسقطت إيران عبر "حماس " و"حزب الله" ، قلعة أميركا في الشرق الاوسط وهي إسرائيل، قد انطلقت على وقع الدم والدمار والتهجير، وبالتالي، فإن أي عنوان آخر قد تم ترحيله، ذلك أنه منذ عملية "طوفان الأقصى" أصبحت كل الأنظار متّجهة نحو غزة، حتى إعلامياً، إذ لم نعد نسمع عن أي حرب أخرى كالحرب في أوكرانيا مثلاً.
ومما تقدم، يبدو واضحاً أنه في اللحظة الراهنة، تصب أميركا كافة اهتمامها وطاقتها في حرب غزة واسرائيل وأنها على كامل الاستعداد لدعم هذه الأخيرة في كافة الأصعدة والجبهات.