زار حاكم "مصرف لبنان" كريم سعيد الرابطة المارونية بدعوة من مجلسها التنفيذي واللجنة الاقتصادية، لإجراء حوار حول دور الحاكمية في المرحلة الراهنة للخروج من الأزمة النقدية، وترميم العملة الوطنية، وإصلاح القطاع المصرفي، واستعادة أموال المودعين.
افتتح رئيس الرابطة المارونية، السفير خليل كرم، اللقاء بالترحيب بسعيد، مشيدًا بوجوده في هذا المنصب الحساس في ظل التحديات الكبرى التي تواجه لبنان بعد الحرب والأزمة المالية العميقة التي أضرت بالبلاد وشعبها، وأدت إلى احتجاز أموال المودعين وإفقار الميسورين، حتى غدت الليرة بلا قيمة، مذكراً بكلمات الشاعر:
"كالعيس في البيداء يقتلها الظمى / والماء فوق اكتافها محمول".

أضاف كرم: "نثق بكفاءتكم وإصراركم على إعادة مالية البلاد إلى مسار التعافي، ونرفض أي تشريع يقلص صلاحيات حاكم مصرف لبنان تحت أي مبرر. ونتطلع لسماع توضيحاتكم حول كيفية التعامل مع صندوق النقد الدولي، واسترداد ودائع المواطنين، وتثبيت سعر صرف الليرة، ومعالجة أوضاع المصرف".
وختم كرم قائلاً: "نرحب بكم مجدداً، ومن منطلق مسؤوليتكم نتمنى أن ترسموا لنا صورة واضحة للمستقبل، هل ننتظر بارقة أمل أم نواجه غموضًا مجهولًا؟".

بدوره، شكر كريم سعيد الرابطة على الدعوة، معربًا عن تقديره لكلمة رئيسها التي وصف فيها الواقع بدقة. وركز في كلمته على ثلاثة محاور رئيسية: استقلالية مصرف لبنان، الأزمة النظامية المالية، وتوزيع المسؤوليات بين الأطراف المعنية.
وقال سعيد: "مصرف لبنان، كالمصارف المركزية في العالم، يتمتع قانونياً باستقلالية كاملة عن السلطة السياسية ومصالح القطاع الخاص، انطلاقًا من المصلحة العامة وضمان حسن سير مؤسسات الدولة. لذلك، لا يجوز المساس بهذه الاستقلالية، بل يجب الحفاظ عليها، خاصة وأن لبنان مقبل على مرحلة إعادة الإعمار وإعادة هيكلة اقتصاده ونظامه المالي، حيث يلعب التعاون بين السلطات دورًا محوريًا في نجاح مسيرة التعافي".
وأشار إلى أن الأزمة المالية التي يعانيها لبنان هي أزمة نظامية نتيجة تراكم الاستدانة العامة على مدى سنوات طويلة، تزامنت مع استثمارات مفرطة من المصارف في الديون السيادية، وسط تقاعس مصرف لبنان في تطبيق الأنظمة. وأضاف: "الاعتراف بالطبيعة النظامية للأزمة هو مدخل ضروري لمعالجتها، التي تتطلب تخفيف العبء على ميزانية المصرف المركزي، وبدء خطة لإعادة الودائع تدريجياً".
وبالنسبة لاستعادة أموال المودعين خلال فترة زمنية معقولة، أكد سعيد أن المسؤولية مشتركة بين الدولة، مصرف لبنان، والمصارف التجارية.

واختتم بالإشارة إلى أن نجاح هذه المعالجات يحتاج إلى دعم دولي متعدد الأطراف من صندوق النقد، البنك الدولي، والمؤسسات الأوروبية والعربية، شريطة أن يكون هذا الدعم مكملاً للحلول الوطنية التي تتبناها السلطات اللبنانية بمسؤولية ووعي.