الكاتب والمحلل السياسي جورج ابو صعب
في ظل ما يحكى عن سعي حثيث للطبقة الحاكمة لتأجيل الانتخابات النيابية وتواصلها مع جهات خارجية لتسويق هذه الفكرة انطلاقا من الحاجة الملحة لمواجهة الازمة المعيشية والاقتصادية في البلاد وضرورة انجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ليرتاح البلد ويصبح ولوج الانتخابات امرا طبيعيا وبعيدا عن اية تشنجات - نرى تحميل الحكم والفريق السياسي الحاكم مسؤولية اي تأجيل او تأخير او الغاء لتلك الانتخابات سيما واننا اعتدنا على ممارسة هذه الطبقة سياسة الكذب على الناس من خلال التصريح بشيىء علنا والعمل على نقيضه في الخفاء والغرف السوداء من هنا نرى ما يلي :اولا : ان معالجة عدم الاستقرار السياسي يبدأ بالانتخابات كوسيلة ديمقراطية وحيدة . فقد اعطيت الطبقة الحاكمة ٥ سنوات ولم تحرك ساكنا باتجاه اي اصلاح او اي خطة انقاذية - وبعد ١٧ تشربن كان امامها فرصة للتغيير لم تستثمرها مما عمق حالة الطلاق واللاثقة بين الحاكم والمحكوم اي الشعب فبفقدان الثقة هذا اصبح الرأي العام اللبناني ومعه الدولي مقتنع بعدم قدرة هذه المنظومة بالتغيير - يقول العالم الاجتماعي عبد الحكيم جوزل في مؤلفه ( الثقة السياسية في الديمقراطيات الناشئة ) ان المواطنون يثقون في الحكومة عندما يشعرون بانها تعالج القضايا بكفاءة ويفقدون الثقة فيها عندما يشعرون بانها مسؤولة عن الاتجاهات غير المرغوبة فيها - ففي لبنان وامام كل الانهيارات الحاصلة وانفصال الحكام عن شعبهم في معاناته وازماته ويأسه لا يمكن لنفس المواطن ان يجدد ثقته بمن جوعه وادخل جهنم الازمات والفقر .ثانيا : بحث هذه الطبقة في اعادة انتاج نفسها تحت شعار الاستقرار السياسي بحث وقح وممجوج نرفضه كليا ذاك ان الاستقرار السياسي لا يعني مجرد استمرار الطبقة الحاكمة الحالية التي هي عنوان وسبب اللااستقرار نفسه - فالاستقرار الحقيقي معاكس تماما للاستقرار السلطوي لان اي استقرار يعتمد اساسا على التفاعل بين النخبة والجماهير وبدون مساندة شعبية اكثرية لا يستطيع اي نظام او حكم او منظومة حاكمة تأدية مهامها ووظائفها وهذه المساندة الشعبية تأتي تعبيرا عن رضا المواطن وقناعته لا بالعنف والفرض والضغط والتلاعب باستحقاقاته الوطنية .يقول العالم كيم هاي في مؤلفه(محددات الصراع الداخلي في العالم الثالث ) يعد الاستقرار السياسي وصيانة الامن الاجتماعي وتوفير السلامة العامة من المتطلبات الاساسية لتوفير الطمأنينة بين الافراد من اجل تحقيق مشاركة سياسية واسعة وجدية وهذا يتوضح من خلال مدى مساهمة الجماعات في المجالس النيابية وعدم ارغامها بالقهر والقوة على التصويت لصالح مجموعة معينة ومدى صيانة حرية المعارضة السياسية والصحافة اضافة الى حرية الرأي .فكيف اذا حاولت الطبقة الحاكمة والمتسلطة حرمان الشعب من الانتخاب وحرمان الاغتراب من المشاركة الفاعلة في اعادة انتاج سلطة تعبر عن تطلعات الناس وتهتم لامورهم واولوياتهم ؟ ثالثا : ضعف الاستقرار السياسي من سمات الدول النامية كما في لبنان حيث تكثر الاضطرابات الداخلية لعدم رضى الشعب عن اداء الاجهزة السياسية الحاكمة وعدم اقتناعها باي قرار يمس معيشته نتيجة فقدان الثقة بين السلطة الحاكمة والشعب .فمقومات الاستقرار السياسي غير متوفرة اذ لا محافظة على الشرعية في ظل التسليم بسلطة سلاح الامر الواقع والوهن الذي اصاب القوى الامنية في ضبط الامور وتطبيق سلطة القانون ولا سلامة دولة وحفظ لنظامها الا بالحد الكافي لتمرير الصفقات مع المحتل ومن يمثله في لبنان الا وهو حزب الله ولا هناك منع للفساد والافساد وقد فسدت علاقة السلطة والمنظومة مع الشعب . يقول البروفسور سمير ابو زيد في مؤلفه ( الثورات الشعبية العربية وتحديات انشاء الدولة الحديثة ) ان الاستقرار السياسي في نظام الحكم يتحقق بوصفه نتيجة مباشرة للموافقة او الرضا الصريح والضمني لعموم افراد المجتمع عن هذا النظام . فالرضا الصريح يظهر من الدعم المباشر للقوى المجتمعية المختلفة لنظام الحكم . والرضا الضمني يظهر من عدم اعتراض هذه القوى على هذا النظام وممارسة الحياة بشكل طبيعي في اطاره - في مقابل لا رضى صريح او ضمني عن نظام الحكم من خلال المقاومة والاعتراض وعدم الالتزام بقوانين الدولة والذي قد يصل الى حالة الخروج المسلح على الدولة - فرضا الناس معيار شرعية الحكم فان رضي المواطن يقوم الحكم شرعي وان لم يرضي يصبح الحكم غير شرعي .
فهل المنظومة الحاكمة الحالية تعتبر نفسها اهلا للثقة ورضا الناس المسحوقة؟ واية شرعية تحملها على البحث في انتاج ذاتها وقد فقدت مشروعية الناس وشرعية تمثيلهم ؟