بقلم جورج حايك
تضخ وسائل اعلام محور الممانعة ومحللوها كميات هائلة من المعلومات والتحليلات عن دخول مقاتلين متطرفين إلى لبنان من بلدان عدة عبر المعابر غير الشرعية، وتساندها وسائل اعلام “التيار الوطني الحر” من باب انتقاد دخول النازحين السوريين عبر المعابر غير الشرعية. والخبث في الموضوع ان هؤلاء يبثون مثل هذه الأخبار مع التهديد والوعيد بضرورة الامتثال لـ”الحوار” الذي يدعو اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري وانتخاب رئيس جمهورية محسوب على “حزب الله”.
الأمنيات حتماً أن تبقى هذه الأخبار مجرد تهديد ووعيد بالويل والثبور، يستخدمها محور الممانعة لإرضاخ القوى السياسية المعارضة التي لا تزال ترفض “الحوار” المخالف للدستور، علماً ان هذا المحور مع حلفائه غالباً ما يستخدم “داعش” كلّما وجد نفسه مأزوماً وغير مرتاح للمسار السياسي، مستشعراً ان الرياح الاقليمية والدولية تسير عكس ما تشتهيه سفنه!
لا شك في أن هذا المحور الذي يشمل ايران وسوريا و”الحزب” ليس بأفضل أحواله، فايران تشعر أنها محاصرة في سوريا من الأميركيين، والنظام السوري يواجه انتفاضة شعبية جديدة وتوتراً أمنياً في محافظات عديدة، وهو يفتقد حالياً الدعم الروسي المعتاد، نتيجة انهماك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حرب اوكرانيا.
وتاريخ هذا النظام بات معروفاً للقاصي والداني، فهو عندما تمارس عليه الضغوط، يخلق “بعبع” ليبرر استخدامه للقوة، وهذا ما ينطبق على ايران و”الحزب”، لذا بدأنا نرى تصاعد في عمليات “داعش” في سوريا مجدداً، ومن الواضح ان هناك “قبّة باط” من النظام لهذا التنظيم المتطرف، وتوقعات معظم الخبراء العسكريين تشير إلى ان هجمات التنظيم ستتزايد لمواجهة الأميركيين في سوريا وحلفائهم الأكراد.
ولعل ما يحصل في سوريا ينعكس على لبنان بقوة، فمنذ عودة التوتر إلى سوريا وارتفاع حدة الاحتجاجات والاشتباكات والأزمة الاقتصادية، بدأ اللبنانيون يشهدون موجة جديدة من النزوح، هذه المرة، عبر المعابر غير الشرعية. علماً ان هذه الموجة لا تبدو بريئة، فهناك عصابات محميّة من بعض الأمنيين والمسؤولين تسهّل دخول هؤلاء النازحين عبر المعابر غير الشرعية التي يسيطر عليها “حزب الله” أصلاً، وهي تشكّل طريق الامدادات الحيوية للسلاح الآتي من ايران عبر سوريا، وبالتالي لا يمكن ان تسقط “شعرة” هناك من دون علم “الحزب”، وإذا كان هناك عناصر متطرفة تدخل عبر الحدود، فهي تمر بعلم “الحزب” ومباركة النظام السوري.
لذلك السيناريو الذي يحكى عنه لتفجير الأوضاع في لبنان بواسطة لغم “النازحين السوريين” ليس سوى سيناريو من إعداد “الحزب” وحليفه السوري واخراجهما.
قد يتساءل سائل أين الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لتلعب دورها في منع النزوح غير الشرعي؟ الجواب ان الجيش والأجهزة قاموا بأقصى واجباتهم لمنع هذا الدخول وتمكنوا من السيطرة على بعض المعابر، إلا ان الحدود الطويلة مع سوريا وقلة العديد والعناصر المولجة بهذه المهمة، حالت دون ضبط الوضع بالكامل، فدخل المئات بل الآلاف من النازحين وتغلغلوا في المخيمات وخارجها. وإذا كانت هناك نيات لدى “الحزب” بتحريك هؤلاء أو فتح الباب أمام فوضى أمنية، فلا شيء سيردعه، وعندها سيكون “الحزب” في موقع قوة ليطرح نفسه كالعادة انه حامي الحمى، وهو المقاومة ضد الارهابيين، ومستعد لحماية كل اللبنانيين، على مختلف طوائفهم، مع التلويح بضرورة أن يأتي رئيس يحمي ظهر المقاومة التي تملك الحق الحصري في الدفاع عن اللبنانيين!
هذا السيناريو يبدو قابلاً للتنفيذ، لكن مهما كانت الأوضاع، لن تقبل بعض الأحزاب وخصوصاً المعارضة بعروض “حزب الله” ومحاولات الترهيب والترغيب التي يستخدمها للوصول إلى مآربه، وتركيز إعلامه على هذا الجانب من النزوح السوري يُنذر بما لا تُحمد عقباه.
فالشعب اللبناني لا يؤمن سوى بالدولة ومؤسساتها، ولا يقبل سوى بحماية الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية، وإن عجزت عن حمايته، لا أحد من الأحزاب عاجز عن حماية مناطقه بما يتوفّر من سلاح فردي، علماً ان المجتمع المدني والبلديات عيونهم مفتّحة على حركة النازحين السوريين في كل المناطق نتيجة التجارب مع هؤلاء.
وقد أظهرت التطورات في الأسبوع الفائت ان ليس كل من ينتقد دخول النازحين السوريين صادق في انتقاده، وما حصل في جلسة مجلس الوزراء التي دعا اليها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي كانت بحجم الفضيحة، اذ فيما يدخل لبنان حوالى الف نازح سوري يومياً، وفيما لبنان ينوء تحت ثقل النزوحين القديم والجديد، تهرّب الوزراء المحسوبون على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من المشاركة في جلسة للحكومة، كل واحد تحت حجة معنية! لكن كل الحجج تسقط ولا قيمة لها امام قضية وجودية تنهش يومياً الجسد اللبناني.
ليس سراً أن هذا “التيار” المارق يبيع اللبنانيين كلاماً، وهو لا يخدم إلا أعداء لبنان!
موضوعياً وعملياً، لا بد من الاعتراف بخطورة النزوح السوري الذي لا يتحمّله لبنان أمنياً واقتصادياً وديموغرافياً، وأول من يتحمّل مسؤولية هذا الأمر هي الحكومة المحسوبة على “الحزب”، وطريقة تعاملها مع هذا الملف وفق ما يخدم الفوضى التي يريدها “الحزب”. فهذه الحكومة وقبلها من الحكومات، راحت تزور النظام الأسدي لمعالحة أمر النازحين، وكيف يمكن لجلاد هؤلاء النازحين أن يعالج مسألة النزوح، علماً ان لديه مصلحة في التغيير الديموغرافي في سوريا، اللهم إذا كان لديه مع “الحزب” خطة لتنشيط النزوح لغاية في نفس يعقوب، بدليل ان هؤلاء يعبرون مناطق نفوذ الأسد ويجتازون حدوده، وبالتالي لو لم تكن لديه مصلحة في ذلك، لمنعهم وأقفل الحدود أمامهم! والجدير بالذكر ان مئات السوريين يسلكون طرقاً جبلية باتجاه لبنان، مجتازين معابر غير رسمية يفوق عددها 35 معبراً على امتداد حدود يبلغ طولها 394 كيلومتراً.
فإذا أردنا التحليل ببراءة، نقول ان سبب تدفق الأمواج الجديدة من النازحين السوريين الى لبنان إقتصادي حتى الساعة، وذلك بفعل هبوط قيمة الليرة السورية جراء قانون قيصر. أضف إلى ذلك، أسهم إندلاع الإقتتال الداخلي بين العشائر العربية والمسلحين الأكراد ومن معهم في الشرق السوري من جهة، وبين “الكرد” والفصائل المسلحة التابعة لتركيا في الشمال السوري من جهةٍ أخرى. أما إذا نظرنا إلى ما هو أبعد، قد يكون هناك خطة آنية يستفيد منها محور الممانعة لتحقيق مآربه السياسية، وخطة أبعد من ذلك، تقضي بتغيير ديموغرافي في لبنان لن تكون عواقبه سليمة.