كتب يوسف دياب في الشرق الأوسط: تحولت مشاهدة الاشتباك بين صواريخ إيران وإسرائيل، إلى ظاهرة تجمّع الآلاف منهم ليلياً على أسطح المنازل والمباني، لمراقبة الصواريخ والمسيرّات الإيرانية تعبر الأجواء وتصدّي الدفاعات الجوية الإسرائيلية لها فوق لبنان، والتقاط صور هذا الاشتباك الجوّي ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الظاهرة احتلت اهتمام الجيل الجديد منذ اندلاع شرارة الحرب بين طهران وتل أبيب، لكنّها ليست غريبة عن ثقافة الشعب اللبناني الذي عايش مثيلاً لها في 8 حزيران 1982، أي بعد يومين على بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وانطبعت في ذاكرته صور الاشتباك الجوي بين سلاحي الجو الإسرائيلي والسوري فوق منطقة البقاع، وأسفر ذلك عن إسقاط عشرات الطائرات السورية، كما عاين جيل ثانٍ من اللبنانيين في عام 1991 الصواريخ العراقية تمر في الأجواء اللبنانية نحو إسرائيل، وتصدّي الأخيرة لها، قبل أن تندلع الحرب الإيرانية – الإسرائيلية وتحوّل فضاء لبنان مسرحاً لها.
لبنان يتفرج
وفي وقت أعلن فيه الأردن عن تصدّيه لعشرات المسيرات والصواريخ التي تعبر أجواءه وتنتهك سيادته من قبل الطرفين الإسرائيلي والإيراني، فإن لبنان غير قادر على وقف هذه الانتهاكات.
وأشار مصدر رسمي لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن لبنان «لا يملك دفاعات جوية ليتصدّى للطائرات الإسرائيلية ولا للصواريخ الإيرانية». وذكّر بأن «الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان لم تتوقّف منذ سريان قرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و(حزب الله) في 27 تشرين الثاني الماضي، كما أن المسيرات الإسرائيلية لا تغادر سماء لبنان يومياً، واختار لبنان المواجهة الدبلوماسيّة ضدّ الاعتداءات الإسرائيلية»، مشيراً إلى أن «الدولة اللبنانية تركّز في الوقت الراهن على التضامن الداخلي وتحييد البلاد عن خطر الحرب القائمة بين إيران وإسرائيل».
وأيّد المصدر «فكرة تقديم لبنان شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، مع أنه سبق وقُدّمت عدّة شكاوى، لكنها لم توقف انتهاكات إسرائيل للسيادة اللبنانية».
مرونة نفسية بعد الأزمات
واعتاد الشعب اللبناني الذي عاش حروباً كثيرة ركوب موجة المغامرات، بدليل انتظاره كلّ ليلة دفعات الصواريخ الإيرانية، دون أن يأبه لخطر إمكانية سقوطها.
وربطت الأستاذة المحاضرة في كليّة علم النفس بالجامعة اللبنانية، الدكتورة فريال عبد الله حلاوي، بين هذه الظاهرة «والمرونة النفسية التي يتحلّى به المواطن اللبناني». ورأت أنه «بعد الأزمات المتتالية باتت لدى اللبناني مرونة نفسية عالية، وصارت لديه فكرة تسخيف العنف، أي أن ما يصدم بات طبيعياً لدى اللبنانيين، لذلك نراهم يحتفلون على أسطح البنايات، ويراقبون الصواريخ تعبر الأجواء نحو إسرائيل».
وذكرت حلاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجيل الحالي هو جيل (السوشيال ميديا)، أي لا يمكن فصل تكيفه مع الأمور وعيشه أي لحظة وتفاعله معها دون أن نذكر (السوشيال ميديا)»، مشيرة إلى أن «الفكرة القائمة في ذهن الجيل الشبابي في لبنان أنه إذا لم يشارك هذه اللحظة يعني أنها لم تعبر في قاموس حياته وبخطه الزمني، لذلك نرى الشباب يلتقطون الصور ويشاركون الآخرين بها، كأنهم يوثقون هذه اللحظات الثمينة من حياتهم التي تعد فرصة قد لا تتكرر».
ثمة أحداث أكثر خطورة لم تمنع الجيل الجديد من توثيقها، هي الغارات الإسرائيلية على مواقع ومبانٍ في الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من المناطق، ورأت حلاوي أن «انغماس الجيل الجديد في (السوشيال ميديا) تجعله منغمساً أيضاً في هذه الأحداث حتى لو عرّضت حياته للخطر، لأن أي مسيرة أو صاروخ عابر للأجواء اللبنانية يمكن أن يسقط في أي لحظة، لذلك لا يأبه الجيل الشاب بلبنان في مواجهة الخطر».
الإشعاعات النووية
القلق اللبناني بات يتعدّى عبور الصواريخ والمسيرات أجواءه، ويصل إلى احتمال استهداف إيران لمفاعل ديمونا النووي بإسرائيل، وخطر تسرّب إشعاعاته النووية ليصل إلى لبنان كونه البلد الأقرب جغرافياً إلى إسرائيل، إلّا أن هناك تشكيكاً على المستوى السياسي اللبناني، وترى مصادر أن «هذا الخوف ليس في مكانه، لأن التقديرات تستبعد امتلاك إيران القدرة على تدمير مفاعل ديمونا أقلّه بالمدى المنظور». وقالت: «لنفترض أن الحرب توسّعت وتمكنت إيران من تدمير هذه المفاعل، فإن لبنان يبتعد جغرافياً أكثر من 400 كيلومتر عن مفاعل ديمونا، ولا يمكن وصول الإشعاعات النووية إلى الحدود اللبنانية».