سوريا على خطين متوازيين لا يبدو الى الآن أنهما يلتقيان الا بانتهاء نظام الاسد.
الخط الأول هو خط التطبيع العربي مع النظام السوري وإعادة مقعد سوريا اليه في الجامعة العربية انطلاقاً من رؤية عربية تسعى لإعادة كل دول المنطقة التي كانت خاضعة أو محتلة من الإيرانيين الى الحضن العربي.
الخط الثاني هو الخط الأميركي الغربي الرافض للتطبيع العربي مع نظام دمشق والساعي الى تضييق الخناق عليه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.
هنا لا بد من التوضيح بأن قرار العرب، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، ينطلق من براغماتية سياسية وليس من هدف تقوية النظام ومدّه بأوكسجين، وقد سبق لنا في مقالات سابقة أن أشرنا الى ما يمكن اختصاره بخريطة طريق لخروج النظام بهدوء ومن دون العودة الى سفك الدماء والحرب والتدمير.
هذان الخطان يعبّران عن اختلاف تكتيكي وليس خلافاً استراتيجياً إذ يُخطىء مَن يظن أن هدف واشنطن من خلال إصدارها قانون منع التطبيع مع النظام السوري هو غير هدف الرياض، فالهدف في الواقع واحد : دخول سوريا مرحلة سياسية جديدة ونظاماً سياسياً لا يكون للأسد فيه موقع أو دور، لكن وكما نعلم في السياسة وبخاصة السياسات الدولية فالمصالح تتشابك، وإن كانت متشابهة أو منسقة والقانون الأميركي العتيد ليس منسقاً مع الرياض، وبالتالي هو قابل لسلوك طريقه بموازاة استكمال العرب التطبيع العربي مع سوريا، فيما نرى أن سَنّ قانون منع التطبيع مع نطام الأسد قد يحفّز الأخير لاستكمال وتسريع خطوات التطبيع مع العرب لقطع الطريق أمام تحوّل القانون الى واقع ضاغط على الدول المطبِّعة وفي طليعتها المملكة العربية السعودية.
واشنطن، في حال سنّ قانون منع التطبيع، تكون قد حكمت على نظام بشار الأسد وعائلته بالإعدام، فالثابت الى الآن هو أن الولايات المتحدة لا تزال، كقطب وحيد، قادرة على التحكّم بمصير الأنظمة التي تعاديها أو تتحالف مع خصومها.
روسيا غير قادرة على لعب دور إنقاذي لنظام الأسد، وهي الغارقة في وحول حرب أوكرانيا التي نعتبرها أفظع خطأ استراتيجي ارتكبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أما
الصين وكما نعلم فنرى أنه لا تهمّها السيطرة العسكرية على الدول بل السيطرة الاقتصادية والتجارية والمالية، لذلك فهي تميل نحو الإمبراطورية الاقتصادية.
المملكة العربية السعودية تدرك خطورة تداعيات قانون أميركي بمنع التطبيع مع نظام الأسد في لحظة تسعى الرياض الى تأمين باب خروج لهذا الأخير " بالتي هي "، ولذا تسعى الرياض الى إقناع الأميركيين بتأخير أو أقله تأجيل مثل هذا القانون الذي قد يعرقل، في حال سنّه، جهود إنهاء الملف السوري بتداعياته وجوانبه كافةً.
قانون منع التطبيع مع نظام الأسد والذي سبقه قانون مكافحة الكابتاغون يعكسان نظرة الشعب الأميركي والرأي العام الجمهوري والديمقراطي والمستقل الى نظام بشار الأسد وارتكاباته، بحيث لم يعد إمكان واشنطن التعامل مع مثل هذا النظام وقد فضحت فظاعاته ولم يعد بالإمكان العودة الى التعامل معه أو الاعتراف به.
واشنطن انتظرت حوالي الشهرين لطرح قانون منع التطبيع مع الأسد ومنع التعامل معه ومنع الاعتراف حتى ببشار الأسد كرئيسٍ للجمهورية العربية السورية، ومعاقبة كل دولة تطبّع أو تتعامل مع هذا النظام ورجله.
الشواهد التي رأيناها مع الدول التي فرضت عليها واشنطن عقوباتها وحصارها تعطينا نموذجاً عما يمكن أن تصبح عليه أي دولة تخالف قانون منع التطبيع.
حتى الآن لم تظهر على أرض الواقع تأثيرات إيجابية للانفتاح العربي على دمشق، فلا الليرة السورية تحسّنت، وهي تساوي ٩٠٠٠ مقابل الدولار الواحد، ولا رُفعت حالة السوء عن الشعب السوري، فيما النظام متردد ومربَك لا يعرف أين يتجه، ومن هنا أهمية التمييز بين التطبيع والتمثيل الديبلوماسي : فالتمثيل الديبلوماسي يقوم بين دول متحاربة بينما التطبيع يفترض تعامل وتبادل وتعويم للنظام.
قانون منع التطبيع الأميركي مع الأسد ينهي هذا الأخير ونظامه، ويُعتبر بمثابة حكم إعدام مبرم يسرّع نهاية آخر فصول هذا النظام انطلاقاً من قدرة واشنطن على التأثير السلبي على كل دولة تخالفه ما لم يكن التعاون منسقاً والمنع مدروساً.
نظام الأسد لطالما استمد إطالة وجوده من كونه حاجة، فبقاء الدكتاتور ليس بسبب نجاحه بل بسبب استمرار تدفق الفوائد التي تُجنى من وجوده إسرائيلياً وأميركياً وروسياً وتركياً، وبالتالي مع انتهاء اللوائح أو تقلّصها أو إنقضاء القسم الأكبر منها تنقضي الحاجة اليه، ويبدو أن أميركياً وإسرائيلياً وتركياً بدأت الحاجة اليه تتناقص، وقد آن أوان إسدال الستارة عنه، إنما دون ذلك خطوات يجب تنسيقها وتكتيكات تُحاك في غرف العمليات المشتركة في المنطقة،
فهل تأتي نتائج الانتخابات التركية بحليف للولايات المتحدة الأميركية والغرب تُطلِق إشارة من شمال سوريا بضرورة ملاقاة قانون منع التطبيع على أبواب دمشق لإسقاط نظام آل الأسد الحليف للروس والمحور الإيراني- الروسي في لحظة احتدام الاصطفافات الدولية المتنازعة؟
واشنطن التي أشرفت في عهد الرئيس بيل كلنتون من خلال وزيرة الخارجية آنذاك مادلين أولبرايت على توريث بشار الأسد كرسي والده حافظ هي نفسها اليوم التي ستُشرف على إسقاط كرسي بشار الأسد وإنهاء نظام تلك العائلة.
قانون منع التطبيع الأميركي إشارة إضافية لبدء العد العكسي لسقوط نظام الأسد.
