ما حصل في الأيّام الأخيرة، على ما تكشف عنه معلومات موثوق فها، ظهّر رغبة أميركية بإعادة تحريك المسار السياسي على جبهة لبنان، لبلوغ حلّ او اتفاق او تفاهم يتوازى من الإنجاز الأميركي في غزة، يمهّد له بوقف لإطلاق النار لمدة 60 يوماً،
وورقة الموفد الأميركيّ برّاك تشكّل الأساس لذلك، وتلقّى لبنان إشارات مباشرة بهذا المعنى من برّاك نفسه، وعلى هذا الأساس جاء الطرح باستعداد لبنان لإجراء مفاوضات غير مباشرة برعاية أميركيّة، على شاكلة ما جرى في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
وبحسب المعلومات، فإنّ الأميركيين كانوا مرتاحين للتجاوب اللبناني مع طرحهم المتجدد بإطلاق مسار الحل السياسي، إلّا انّ هذا الطرح لم يعمّر طويلاً، إذ سرعان ما بردت حماسته، حتى لا نقول إنّه تمّ التراجع عنه بشكل نهائي، حيث اصطدم بالرفض الإسرائيلي، ما أعاد الأمور إلى المربّع الاّول، وأبقى الوضع في دائرة التصعيد الذي تمارسه إسرائيل. وأما ما يعني الطرح اللبناني حول المفاوضات غير المباشرة، فهو لم يعد قائماً، أقلّه في هذه المرحلة. وعلى ما يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد فشل الطرح الأميركي "لم يعد هناك مسار قائم سوى العمل بحسب الآلية المعتمدة حالياً ضمن اللجنة الخماسية (الميكانيزم)".
ومعلوم انّ إسرائيل تريد إلزام لبنان بمفاوضات مباشرة ذات طابع سياسي، تفضي إلى حلّ وفق مصلحتها، ويفرض واقعاً جديداً في المنطقة الجنوبية، الكلمة العليا فيه لها. وانعكس الموقف الإسرائيلي بصورة واضحة في رفع وتيرة الاعتداءات والاستهدافات للبنى والمنشآت المدنية في الجنوب في الفترة الأخيرة، واستُتبعت أمس بغارات جوية عنيفة من الطيران الحربي، استهدفت منطقة المحمودية والجرمق ومجرى نهر الليطاني ومزرعة الدمشقية في منطقة النبطية، وذلك بالتزامن مع تحليق مكثف للطيران التجسسي في أجواء بيروت والضاحية الجنوبية على علو منخفض.
على أنّ ما يثير المخاوف في رأي المصادر عينها، هو أن تبادر إسرائيل في المرحلة الراهنة إلى التدرّج التصعيدي في اعتداءاتها، في محاولة واضحة منها لفرض مزيد من الضغط على لبنان لجرّه إلى التسليم والموافقة على عقد مفاوضات مباشرة معها، لتحقيق هدفها الجوهري بالوصول إلى تطبيع وفق شروطها مع لبنان.
وضمن هذا السياق، تؤكّد مصادر رسمية أنّ الموقف الرسمي موحّد حيال هذه المسألة، اولاً، بالتأكيد على وقف العدوان الإسرائيلي وتحقيق الانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق الاسرى، وثانياً، بالتأكيد على المفاوضات غير المباشرة، وثالثاً، بالالتزام الكلي باتفاق وقف العمليات الحربية المعلن في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، وبمندرجات القرار 1701، ولبنان قام بما هو مطلوب منه في هذا المجال، والشاهد الأساس قوات "اليونيفيل" ولجنة "الميكانيزم"، ورابعاً، بالرفض القاطع لما يسمّى "التطبيع الواضح" او ما يسمّى "التطبيع المقنّع" مع إسرائيل. وهذا الموقف مبلّغ بصورة واضحة إى كلّ الاطراف المعنية في الداخل والخارج".
وعلى الرغم من تعثّر الطرح الأميركي، تؤكّد المصادر الرسمية عينها انّ "حركة الاتصالات، لم تتوقف، سواء على الخطوط الداخلية او على الخطوط الخارجية"، وتجزم بأنّ "الامور ليست مقفلة بالكامل، وخصوصاً أنّ الحل السياسي بين لبنان وإسرائيل يشكّل اولوية وهدفاً بالنسبة إلى الأميركيين، ومن هنا من غير المستبعد أن يعطى هذا الامر بعض الزخم في المدى المنظور، الذي قد يتزامن مع حضور مباشر للموفدين على خطّ تحريك مسار الحلّ السياسي".
وعندما تسأل المصادر الرسميّة عن مصير حصريّة السلاح، وما إذا كان سحب سلاح "حزب الله" هو السبب الذي تتذرّغ فيه إسرائيل لرفض مسار الحل، فضّلت المصادر عدم الخوض في التفاصيل، كما لم تنف او تؤكّد ما تردّد عن شرط إسرائيلي بنزع سلاح "حزب الله اولاً، واكتفت بالقول: "القرار بحصر السلاح بيد الدولة وحدها، اتخذته الحكومة، وثمة آلية تنفيذية يعتمدها الجيش اللبناني بكلّ مسؤولية وحرص على الأمن والاستقرار والسلم الاهلي".