هناك جزء من قصيدة شهيرة لنزار قباني تقول “… والقائد السادي من مخبئه يفلسف الخراب”. يبدو القول عادياً لولا إمكانية دلالته على أمين عام حزب الله، كما التطورات الأخيرة في لبنان.
يطلّ حسن نصرالله يوم الإثنين ليحدثنا عن “فلسفة الخراب”. بداية، لا يُظن أنه ساديّ ويهوى تعذيب الآخرين ويتلذذ بذلك ككل الساديين. هو ربما مغيّب عن الواقع، يعيش تحت الأرض في مكان ما، ولم ينتبه بعد لتنامي رفض البيئات اللبنانية لحزبه وممارساته.
تبدو الإجابة الشافية صعبة جداً عن حالته ورؤيته وأحاسيسه. من يدري أصلاً أين يسكن وبماذا يفكر. من يدري أصلاً إن كان على دراية حقّة بالواقع الجديد. ومن يدري، أخيراً، إن كان فعلاً يتحسّس بأزمات الناس وبأن هناك من استشهد أمام “كميون” يحمل بضاعة لحزبه من أسلحة وذخائر وربما أموالا.
سيطل علينا قريباً، ويقول بأن حزبه بريء من عملية اغتيال الياس الحصروني في عين إبل، ثم يُكمل و “يمننا” بالتعايش المسيحي الإسلامي في الجنوب. من بعدها، سيزيد ويزيد في “فلسفة الخراب” ويخاطب الناس عن حقّ حزبه بنقل الأسلحة، واعتبار المسّ بها كالمسّ بحزبه أو بالمقدسات ربما، ثم “يمننا” من جديد بأعمال رجاله في سوريا وحمايته للكنائس هناك.
عذراً يا سيّد، فلسفة الخراب ما عادت تمشي في هذا الزمن. لا أحد منا يكترث لما تقولونه. نريد أمناً على طرقاتنا وسلاماً لأرواحنا وممتلكاتنا، لا زعران “فالتة” في الأحياء تطلق النار صوب الأبرياء في الجهة الأخرى من “خطوط التماس” القديمة. ما نفعنا بسلامة كنائس سوريا ورجالكم أطلقوا النار صوب كنيسة الكحالة؟ ما قيمة التعايش بين أبناء لبنان إن كان البعض منهم يحمل سلاحاً ظاهراً يهدد فيه البقية في كل قرية وحيّ وطريق.
المعذرة يا سيّد، لكن تمنين الناس بأمنهم ووجودهم فعل سفيه. أبناء الجنوب كأبناء كل لبنان، لهم الحق في العيش الكريم والحرّ، فيما التعامل معهم “كرهائن” وصندوق بريد لإيصال الرسائل يزيد في ريبة الناس من أعمال حزبكم أكثر فأكثر.
نتشكركم سلفاً على مواعظكم الحميدة يوم الإثنين، كما نتشكركم على الأخطاء والهفوات والزلّات المتتابعة منذ أحداث شويّا إلى أحداث الكحالة، مروراً بغزوة الطيونة وخلدة والأشرفية وغيرها.
ضاق صدرنا يا سيّد، لم نعد نهوى الاستماع لكم تفلسفون الخراب ككل مرّة، ما نريده فعلاً هو فلسفة للحياة والعدالة وبناء الدولة، أو ربما مجرد قراءة لبقية قصيدة نزار قباني والتفكير بكم:
في كلّ عشرينَ سنة
يأتي إلينا نرجسيٌ عاشقٌ لذاتهِ
ليدّعي بأنّهُ المهديُّ .. والمنقذُ
والنقيُ .. والتقيُّ.. والقويُّ
والواحدُ .. والخالدُ
ليرهنَ البلادَ والعبادَ والتراثَ
والثرواتِ والأنهارِ
والأشجارِ والثمارِ
والذكورِ والاناثِ
والأمواجِ والبحر
على طاولة القمارْ..
في كلّ عشرينَ سنة
يأتي إلينا رَجُلٌ مُعَقّدٌ
يَحْمِلُ في جيوبهِ أصابِعَ الألغامْ
نموتُ مجّاناً كما الذبابُ في أفريقيا
نموتُ كالذبابْ
ويدخلُ الموتُ علينا ضاحكاً
ويَقْفِلُ الأبوابْ
نموتُ بالجملةِ في فراشنا
ويرفضُ المسؤولُ عن ثلاجةِ الموتى
بأنْ يُفَصّلَ الأسبابْ
نموتُ.. في حربِ الشائعات
وفي حربِ الإذاعاتِ
وفي حربِ التشابيهِ
وفي حربِ الكناياتِ
وفي خديعةِ السّرابْ
نموتُ.. مقهورينَ.. منبوذينَ
ملعونينَ.. منسيينَ كالكلابْ
والقائدُ الساديُّ في مخبئهِ
يُفَلْسِفُ الخرابْ!