قانون يُنصف مفتشي الأمن العام.. فهل يصمد أمام الطعن الرئاسي؟

amen

في ظل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي ترهق المؤسسات العامة، وفي طليعتها الأجهزة الأمنية، أقرّ مجلس النواب اللبناني القانون رقم 7 بتاريخ 22 أيار 2025، مانحاً فئة من مفتشي المديرية العامة للأمن العام – الذين شاركوا في مباراة الترقية إلى رتبة ملازم وفق مذكرة الخدمة رقم 8/2009 – حق الاستقالة بعد ترقيتهم، ضمن مهلة استثنائية لا تتجاوز ثلاثة أشهر.

وعلى الرغم من أن هذا القانون أُقرّ كاقتراح معجل مكرر، إلا أنه يحمل في طيّاته بُعداً إنسانياً وعدالة وظيفية لطالما انتظرها المعنيون. غير أن رئيس الجمهورية جوزاف عون تقدّم بطعن أمام المجلس الدستوري، بحجة أن المجلس النيابي تجاوز صلاحياته وتدخل في صلاحيات السلطة التنفيذية، ما أثار جدلاً قانونياً ودستورياً حول دستورية القانون وضرورته.

بين عامي 2009 و2022، صدرت عدة قوانين لمعالجة أوضاع دفعات محددة من المفتشين الذين خضعوا للشروط نفسها في مباراة واحدة، منها القانون 67/2009، والقانون 116/2010، والقانون 1714/2022. لكن عدداً من المفتشين تُرك خارج هذه المعالجات، لا لأسباب قانونية أو إدارية وجيهة، بل بسبب تقاعس إداري في تطبيق القوانين وقرارات الترقية، ما تسبب بتمييز واضح بين موظفين خاضوا المسار نفسه.

هذا التمييز استمر سنوات، وأدى إلى استقالات، بل وهجرة بعض العناصر، في ظل غياب أي مبادرة لتسوية أوضاعهم على الرغم من أحقيتهم بالمساواة مع زملائهم. واليوم، يُظلم هؤلاء مرة جديدة، سواء من خلال الصيغة الحالية للقانون التي لا تتيح لهم البقاء في الخدمة، أو من خلال الطعن الذي قد يؤدي إلى إلغائه.

تجدر الإشارة إلى أن مجلس شورى الدولة سبق أن ألغى نتائج مباراة عام 2007 لمفتشين آخرين بسبب ثبوت التزوير، في مخالفة لم تُعالج حينها من قبل الإدارة، ما يؤكد الحاجة إلى تصحيح شامل.

القانون المطعون به لا يمنح ترقية تلقائية ولا يكرّس امتيازات، بل يُنصف فئة حُرمت من حقوقها ويتيح لها الاستقالة بعد نيلها ترقية مستحقة. بذلك، لا يترتب على القانون أعباء مالية أو إدارية كبيرة، بل يمنح هؤلاء الموظفين فرصة مغادرة الخدمة بصورة تحفظ كرامتهم.

الطعن الرئاسي انطلق من اعتبار الترقية شأناً إدارياً لا يدخل ضمن صلاحيات مجلس النواب. إلا أن هذا الطرح يُغفل بعداً دستورياً مهماً: أن السلطة التشريعية تمارس دورها لضمان المساواة ومعالجة الغبن حين تفشل السلطة التنفيذية في القيام بذلك.

فالمجلس لم ينشئ وضعاً وظيفياً جديداً، بل صحّح مساراً مختلاً نتج عن إخفاق إداري سابق. والدستور، في مادته السابعة، ينص بوضوح على مبدأ المساواة، والمجلس الدستوري أكد مراراً أن التمييز بين متساوين خرق دستوري.

ما فعله مجلس النواب لا يشكل تعدياً على السلطة التنفيذية، بل يدخل في صلب دوره التشريعي، وخصوصاً حين تتراكم حالات الغبن من دون أي معالجة. فغياب هذا القانون كان سيُكرّس تمييزاً صارخاً في الحقوق الوظيفية، ويُبقي على مخالفة دستورية قائمة.

لا يمكن اختزال القانون بمسألة إدارية صرفة. فهؤلاء المفتشون خضعوا للمسارات نفسها، وواجهوا الظروف ذاتها، لكنهم حُرموا من حقوق أُعطيت لزملائهم. في بلد يعاني من الانهيار، هل يُعقل حرمانهم من فرصة تصحيح الخلل؟ وهل تُختزل العدالة بمبادئ قانونية جامدة، بعيداً عن الظروف الإنسانية والوظيفية؟

القانون رقم 7/2025 ليس خروجاً عن الدستور، بل خطوة في اتجاه العدالة، في لحظة استثنائية لمجموعة خدمت الدولة وتحمّلت عواقب فشلها. رد الطعن أمام المجلس الدستوري لا يُشكّل فقط موقفاً قانونياً، بل يُعبّر عن التزام أخلاقي وإنساني بإعادة بعض التوازن إلى نظامٍ اختلّ توازنه.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: