هي ساحة واحدة كُتِبَ لها أن تشهَد على نزف أحرفٍ لطالما كانت تُخَطُّ بحبر حريّة وحقٍّ وإنتماء، ساحة تَكلّل ترابها وحجارتها بحبرٍ تحوّل إلى أحمر بفعل فاعل مجرم محتلّ لا يفقه عن الوطن شيئاً إلا السيطرة والقتل والتهديد.
هي ساحة الشهداء اليوم، التي شهدت عام 1915 على مقتل أول شهداء الصحافة اللبنانية محمد الحمصاني، تلاه قافلتان من الشهداء عام 1916، حينها كانت الساحة تحت إسم ساحة الاتحاد، ولكنها ذاتها شهدت في ما بعد على الإجرام نفسه مع الاختلاف في الأسماء والجهات فقط، فيستمر هذا الإجرام حاصداً قافلة وطنية حرّة كان آخر شهدائها و شهداء الرأي الحر لقمان سليم، علماُ أن ثقافة الإجرام لطالما كانت أسلوب حياة يعيشها أولائك المجرمين الذين يتحكّمون بمفاصل الدولة والقرار اليوم.
هناك في تلك الساحة، ترقد رموز الشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الصحافة وحرية التعبير وقدسية الوطن، في ساحة الحقيقة والشجاعة، ننزف أحرفنا وندفن أجسادنا تحت قلم الحق، نخاطر بأرواحنا لنعيد للواجهة أصواتاً اعتقدوا خطأ أنها خفُتت، ولكنها باقية أبداً في نفوسنا وقلمنا وحبرنا وأوراقنا وحناجرنا، تلك الأرواح التي ضحّت بكل شجاعة وإصرار لكي تخبرنا بالحقيقة التي تحتجزها الظلمة، لم تكن يوماُ أسماء تحت التراب فقط، بل كانت هي القوة والإيمان والعزيمة للوطنيين المفعمين بالأمل لالتقاط الحقيقة والمعرفة كاملة وتقديمها للعالم بأسره، كن دون خوف ولا شرط ولا خطوط حمر.
في صمتهم البليغ اليوم، يخبروننا أن قول الحق قادر على تغيير مصير الأمم وإعادة الأمل إلى القلوب المقموعة، فبين الحبر والدم وطن يُبنى وحقيقة تُخلَّد، فبدماء الأقوياء الذين سبقونا نتّحد، وبحبر أقلامنا نبني مستبقلاً حراً جديداً للبنان الذي آمنوا هم به ونحن أيضاً.