لا عودة للوصاية السورية الى لبنان والحزب ليس”بعبعاً”… دلّول : لاعبو ثورة ١٧ تشرين لم يكونوا على قدر المسؤولية وننتظر مفاعيل الاتفاق السعودي- الإيراني

WhatsApp-Image-2023-04-05-at-7.39.11-PM

يبقى الوزير والنائب السابق محسن دلول علامة فارقة في التاريخ السياسي اللبناني والعربي. لابو نزار تاريخه يوم كان رفيقا لكمال جنبلاط وحضوره يوم كان ابرز المقربين للرئيس الشهيد رفيق الحريري، اضافة الى علاقاته وصداقاته في الداخل والخارج وهو رجل يكتنز معلومات بالجملة والمفرق من تاريخ لبنان في الجمهوريتين الاولى والثانية.
“ابو نزار” فتح قلبه وعقله ل LebTalks فصال وجال وقال كل شيء، فهو لا يرى أن هناك انتخاباً لرئيس الجمهورية في المدى المنظور، “فالتطورات الحاصلة سواء من خلال اللقاءات الباريسية أو زيارة الوفد القطري الى بيروت عقب زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية باربرا ليف لا يمكن الركون اليها” وليست تطورات “شغوفة” كما يصفها. كذلك يستبعد أي ترجمة للاتفاق السعودي- الإيراني على الأرض لبنانياً، معتبراً “أننا سننتظر فترة حتى نشهد نتائجه العملية، لأن الأولوية في هذا الاتفاق هي لأحداث أخرى غير لبنان قد تكون اليمن في مقدّمها أو علاقة سوريا مع المحيط العربي أو الوضع في العراق”.

أضاف: “لم يعد المجتمع الدولي ولا العربي ولا الإقليمي كما كانوا في السابق. قديماً كان هناك نوع من عادات وتقاليد أو شغف بأن تهتم دول معينة بشؤون دول أخرى، حاليّاً الوضع اختلف فلا أحد يهتم بإحد وكل دولة تهتم بنفسها، فالعولمة بدأت تنحسر”، مضيفاً: “باعتقادي لا تسوية الى الآن ولا حتى بوادر تسوية”.

السيادة كلمة مطاطة

عن توقيت انتخاب الرئيس المقبل وهويته، أجاب دلّول: “لا يمكن لأحد التكهّن سوى ليلى عبد اللطيف وميشال حايك. كنا قبلاً ننام على إسم مرشح ونستفيق على إسم آخر. نحن حاليّاً في حال جمود وهذا خطر”.

كما اعتبر أن الكلام عن أن فلاناً سياديّ وآخر غير سيادي أمر مضحك، سائلاً: “هل هناك دولة في العالم تتمتع بسيادة مطلقة؟ حتى الولايات المتحدة لا تتمتع بسيادة مطلقة. السيادة كلمة مطاطة ولا سيادة مطلقة إنما يمكن أن نحصّن أنفسنا وأن لا نشرّع أبوابنا للتدخّلات التي يمكن أن تقودنا الى المجهول. متى كان لبنان يتمتع بحرية قراراته المصيرية؟ لا في زمن الاستقلال ولا في الطائف ولا في عهود الانتداب، وهذا الأمر ليس صحيّاً ولا سليماً”.

تابع: “في السابق، كان للسفير المصري عبد الحميد غالب علاقة بتشكيل الحكومات في لبنان، ثم في مرحلة معينة كان لياسر عرفات أيضاً علاقة بهذا الأمر، فالسوري كان يشكّل حكومات لبنان، والسعودية كانت لها أيضاً علاقة بتأليف الحكومات، كما الأردن والعراق والولايات المتحدة الأميركية، لكن من دون أن نغفل أن الأرضية السيادية أخذت شيئاً من البعد في العام ١٩٧٠ في انتخابات رئاسة الجمهورية، حينها انتُخب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية بفارق صوت واحد، والسبب أن الراعي يومها كان منشغلاً بقضية أخرى فلم يعطِ رأيه. في هذا السياق، يستحضرني مَن يسمّون أنفسهم راهناً “سياديين” والذين يرددون لبعض الدول العربية والخليجية مقولة ” نحن نواجه حزب الله بإسم السيادة”، فهل من قوة في لبنان قادرة على تقرير مصير سلاح حزب الله وأين هي هذه القوة؟”.

مَن هو صانع الرؤساء في لبنان؟

سئل دلول عمّن يصنع اليوم الرئيس في لبنان، فاعتبر “أننا لم نكن يوماً أسياد أنفسنا، بل كنا دوماً نستدرج الخارج أو الخارج يأتي الينا من تلقاء نفسه، وكان لسفراء الدول الدور الأكبر في تشكيل الحكومات، دور أكبر بكثير من أحزاب فاعلة في لبنان. كانت رئاسة الجمهورية تُطبخ في الخارج مع القوة الفاعلة في المنطقة. فمثلاً في العام 1964، نام الأمير عبد العزيز شهاب رئيساً للجمهورية ليستفيق على اتفاق بين عبد الناصر والأميركيين يتبنّى شارل الحلو”.

وعن هوية أسياد المطبخ الرئاسي اليوم، إعتبر دلّول أن هؤلاء مستنكفون والفرنسي ضائع لا يعلم ماذا يفعل”. أما عن دعم فرنسا لسليمان فرنجية، فسأل دلول “لماذا لا يتفاهم المسيحيون بين بعضهم البعض؟” مضيفاً: كان من الضروري أن تتفاهم أكبر كتلتين مسيحيتين، وهما حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، لكنّ الجميع أخطأ ولا أرى أحداً على قدر المسؤولية أو الظرف الذي نمرّ به.

عن كيفية صنع هذا الرئيس اذا كان هناك فعلاً مأزق قرار، وعمّن سيصنعه اذا لم يكن لبنان على جدول أعمال الخارج، أجاب: “يجب أن ندرك الواقع الراهن وهو أن رئيس الجمهورية اليوم بموقعه ليس كرئيس الجمهورية قبل الطائف. الحكومة اليوم هي أهم من رئيس الجمهورية من حيث الصلاحيات، أما رئيس المجلس النيابي فأهم من الجميع. لم يعد رئيس الجمهورية هو الأساس وهذا ما إختبرناه مع الرئيس ميشال عون الذي لم يستطع أن يحقق ما يريد. حاول كثيرون السعي في الموضوع الرئاسي وأبرزهم البطريرك الراعي لكن هناك حذر وخوف من كل فريق تجاه الآخر من افتعال المطبات. وهذا الأمر لا يمكن تجاوزه، هنا يأتي دور الراعي الإقليمي أو الدولي، وحاليّاً الراعي هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون” .

زعماء لبنان كذبوا على ماكرون

ورداً على سؤال عن كيف يمكن لماكرون أن يكون الراعي وهو فاقد للمصداقية لدى أطراف كثيرة في لبنان من جراء فشل الديبلوماسية الفرنسية بعد انفجار المرفأ، قال دلًول: “الزعماء اللبنانيون كذبوا عليه خلال لقاء قصر الصنوبر عقب انفجار 4 آب، هو أتى بنيّة التضامن مع لبنان بعد مأساة المرفأ ولتقديم الدعم، وذلك انطلاقاً من العلاقة القديمة بين فرنسا ولبنان والخصوصية التاريخية الحميمة بين البلدين. لكن أخشى أيضاً أن يكون الأميركيون هم مَن يحاولون إفشاله”.

نحن بحاجة الى “مجلس حكماء”

وعمّا اذا كنا حاليّاً نحصّن أنفسنا، أكد دلّول “أننا حاليًّا نستدعي الخارج، وأصبحنا بحاجة الى “مجلس حكماء” لأن هناك أموراً بحاجة الى تطوير أو تبديل”.
ورداً على سؤال عن مَن هم الحكماء اليوم؟ أجاب دلول: “هم موجودون وقد طرحتُ منذ زمن فكرة إنشاء مثل هذا المجلس. فمثلاً هل اتفاق الطائف طُبّق كاملاً أو كان كافياً أو ترجم كل تطلعاتنا واحتياجاتنا؟ الجواب كلا، فحتى المطبّق منه يجب أن يخضع لبعض التعديلات. فمثلاً المجلس النيابي يحلّ نفسه ولا يحق للحكومة حلّه وهذا إسمه “افتقاد الى الحق الدستوري”، فكيف لمجلس نيابي أن يُسقط حكومات والحكومة لا يمكنها أن تُسقط المجلس النيابي؟ يومها وضعت هذه النظرية لمنع ميشال عون من حلّ المجلس. اليوم الوضع تغيّر ويجب أن نعطي لرئيس الجمهورية حق اقتراح حلّ المجلس مرة أو مرتين خلال ولايته لأسباب محددة، ولكن بعد موافقة الحكومة عندها يصبح هناك “توازن خوف”.

تابع معطياً مثالاً آخر: “اخترع المشترع ما سمّي بمشروع معجّل مكرّر، ففي كل مجالس العالم يحال هذا المشروع من الحكومة الى المجلس النيابي، وخلال مهلة 30 أو 40 يوماً إن لم يناقشه المجلس أو يقرّه، عندها يحق للحكومة أن تنشره بمرسوم، لكن الخطأ في لبنان أنه وفق قانون المجلس النيابي الداخلي المهلة تسري فقط عند تلاوة المشروع في جمعية عامة”.

وعمّا اذا كان ما يطرحه نوع من الثورة على النظام القديم للمجلس، قال دلّول: “كل شيء في الحياة يجب أن يخضع للتطور والتحسين والتعديل، الطائف وغير الطائف. مشكلتنا أننا وضعنا دستوراً استقيناه من دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة وترجمناه الى العربية وسرنا به، ولكن ممنوع أن نطوره فهو مقدس وبهذا دمّرنا البلد، لو قبلنا بالتطوير التدريجي منذ الدستور الأول أي دستور 1943، انطلاقاً من ورشة حكماء مكلفين بالنظر في الثغرات وإيجاد حلول لها لكنا تفادينا الكثير من المشكلات”.

مستحيل عودة سوريا الى الساحة اللبنانية بالقوة ذاتها

حول إمكان عودة سوريا الى الساحة اللبنانية بالقوة ذاتها التي كانت عليها في السابق، وذلك ربطاً بالتفاهمات التي تحدث راهناً، مع إبرام التفاهم السعودي- الإيراني وملامح تقارب سعودي- سوري مرتقب، ردّ دلول بأن “هذا مستحيل، فالتاريخ لا يعود الى الوراء، وإن فعلَ فبأشكال مختلفة، من هنا فإن التدخّل السوري كما كان يحدث في السابق مستحيل، لأن السوري لديه مشكلاته الداخلية إضافة الى عملية إعادة إعمار سوريا”.

وعن إمكانية فرملة عنجهية السلاح وإعادة خلق التوازن الداخلي الذي كان قائماً خلال تجربة ١٤ آذار بعدما أدت “طاولة الحوار – الفخ” التي دعا اليها الرئيس نبيه بري مطلع عام 2006 واتفاقية مار مخايل ثم حرب تموز ذلك العام الى الإطاحة بهذا التوازن وصولاً الى ٧ أيار، رأى دلول أنه كان بإمكان ثورة ١٧ تشرين أن تلعب دورها، لكن اللاعبين لم يكونوا على قدر المسؤولية. هناك ١٣ نائباً تغييرياً لا يتخاطبون في ما بينهم وكل واحد يشكك بالآخر. أذكر أنه في العام ١٩٥١ كان عدد النواب ٩٩ من بينهم ٨ نواب من مختلف الطوائف معارضين لعهد الرئيس الراحل بشارة الخوري، صانع الاستقلال، وهم بتعاضدهم استطاعوا إسقاط عهد الاستقلال، إذ كانوا يعمدون في كل جلسة الى التحدث بخطاب موحد، وهم لاحقاً استطاعوا استقطاب نواب آخرين، أما راهناً فلا أحد من النواب قادر على استقطاب الآخرين، وهنا تكمن المشكلة. يجب إقامة توازن داخلي أولاً للانطلاق لاحقاً الى التوازن الخارجي، فالتوازن الداخلي لم يُعمل عليه، لأن لا جعجع ولا جنبلاط ولا الكتائب حاولوا معرفة كيفية استقطاب نائب شيعي أو إثنين للانضمام الى كتلهم ليكون هناك تمثيل حقيقي للمكونات اللبنانية، فلو حدث ذلك لكان بري والحزب أعادا حساباتهما، فحزب الله ليس ” بعبعاً” وهو، بحسب خبرتي، الأكثر قبولاً للحوار لأنه يعرف بأن وجود سلاحه بيده غير مطلق ولفترة معينة، أما الفريق الآخر المعارض لهذا السلاح فهو الذي أعطى الحزب ملعباً واسعاً من دون أن يعمل على تضييقه ورسم حدوداً للحزب داخله”.

لا حل مع “حزب الله” أو غيره بل من خلال الدولة

عن سبب تباهي حزب الله بأن بيئته الحاضنة تتفهمه وتدعمه، لكن في موضوع السلاح يتحوّل الى موقع ومنطق آخر، اعتبر دلول ان هذا الامر يتعلق بالطريقة والأسلوب المتبعَين في مقاربة المواضيع، هناك جيل جديد من الشباب الشيعي الذين لا يسأل عنهم أحد وهم على استعداد للعب دورهم شرط الا يكون استفزازياً. حزب الله لا يمثل كل الشيعة وبالتالي لا يحق له أن يظلم أبناء طائفته، ونحن كشيعة خلال الانتخابات النيابية لم نلقَ تعاوناً من الآخرين لأن هدفهم لم يكن التفاهم معنا بل التفاهم مع حارة حريك. وعندما كانوا يفشلون هناك، كانوا يعودون الى محسن دلّول لأخذ الرأي والصوت”.

وحول بيئة حزب الله والى اي مدى يمكن لها أن تبقى معزولة عن الواقع اللبناني، اكد دلول ان حزب الله يدرك أن بيئته الحاضنة تعاني من مشاكل عدة وأن الحل لكل لبنان، وليس فقط للبيئة الحاضنة للحزب، هو الدولة. فلا حل مع أي حزب أو تيار أو تنظيم الا من خلال الدولة القادرة على إعطاء الجميع حقوقهم وإن كان ببعض الغبن في كثير من الأحيان.

وفي معرض جوابه على كيفية نهوض الدولة في ظل الدويلة، اعتبر دلول ان هناك مبالغة في هذا الكلام، فنحن نعيش في هذا المحيط وهذه البيئة ولا أحد يضغط علينا، لم نتفق معاً في الانتخابات وهم يملكون إمكانيات أكبر بكثير من امكانياتنا، لو أُعطيت لمكونات شيعية أخرى ربما كانت تمكنت من إثبات وجودها، الموضوع بمجمله هو الإهمال الذي تتمادى الدولة في ممارسته.

وقّفنا العدّ كلمة يجب أن تُقدّس

رأى “أبو نزار” أن التقسيم سيخلق مشكلات في التجارة وفي السياسة معاً، إذ “هناك ديمغرافية تغيّرت وكلمة “وقفنا العدّ يجب أن تُقدّس، سائلاً هل اذا أُنشئ كانتون ستشتري الكونتونات الأخرى منه ؟ ومن سيحكم؟ وكيف سيحكمون بين بعضهم البعض؟ ستنشأ حروب داخلية في كل كونتون لا حل لها. في سويسرا التنوع حضاري انما تنوعنا هو تنوع قبلي وعشائري وغرائزي، والنظام الحالي هو الأفضل لنا ولكنه يحتاج الى أن نحسّنه. أنا لا أريد أن ألغي الطائف، بل أن نُدخل بعض التعديلات عليه لإعطاء الديمقراطية بعضاً من الحيوية.
وعمّا اذا كان يحمّل المارونية السياسية المسؤولية في فشل النظام، قال دلول: المارونية السياسية حكمتنا منذ سنة 1943 ولم تعرف كيف تتصرف، أو كيف تطوّر النظام والصيغة.
وعمّا اذا كنا نعيش اليوم في ظل ثنائية شيعية، نفى دلول هذا الأمر، قائلاً: لا يمكن اعتبار أن هناك ثنائية شيعية حاكمة اليوم، مشيراً الى أن اختيار ميشال عون ومجيئه كانا فاشلين. ولفت الى أن صفقة عودة ميشال عون الى البلد لم تحصل مع حزب الله أنما مع قوى أخرى داخلية، وقد لعب كريم بقرادوني دوراً في ذلك أضافة الى آخرين. أما حزب الله فشُكل ضده حلف رباعي في انتخابات 2005 ولم يكن هناك لا ثنائية شيعية ولا ثنائية أخرى.
وعن حصول الصفقة مع سوريا بمعزل عن حزب الله، سأل دلول متى كان هناك اتفاق مع سوريا؟ هذا قِصرُ النظر اللبناني، يومها كان حزب الله يُصنّف على أنه صُنع في طهران وكان يعتبر نبيه بري وغيره “صنع في دمشق”. الصورة تبدّلت بعد المشكلات والتطورات التي حصلت في سوريا ولكن عودة ميشال عون أتت وفق حاجة مسيحية ملحّة اذ كان المسيحي يشعر بأنه محبط. ولكن ماذا فعل الموارنة؟ الا يخشون بأن تفلّت منهم يوماً كرسي الرئاسة؟ أنا أخاف اذا حصل هذا الأمر لأن ذلك سيشكل مصيبة على البلد، ولا يمكن أن يحصل في البلد لا سنية سياسية ولا شيعية سياسية لسبب بسيط وهو الاقتتال بين بعضهم البعض.

قطر والتسويق لقائد الجيش

وعن تسويق الموفد القطري لقائد الجيش، قال دول: الأكيد أن قطر مع قائد الجيش وهذا الأمر ليس سرّاً وهي ساعدت الجيش كثيراً ويبدو أنها تتبنّى معركته ولكن هل ستنجح في ذلك؟
وختم دلول قائلاً: كنت متأمّلاً من الثوار بأن تخرج منهم قامات ولكن للأسف لم نرَ ذلك والسبب بسيط فهم انطلقوا بشعارات كبيرة جداً “كلن يعني كلن” وهذا خطأهم إذ يجب أن نكون دائماً حذرين، فغاندي الذي حرّر الهند لم يحمل سلاحاً أما نحن فلا رؤية لدينا، من هنا دعوتي لإنشاء مجلس الحكماء في البلد.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: