أكد المبعوث الرئاسي الأميركي توم برّاك أنّ "زيارته الحالية إلى بيروت ليست الثالثة له إلى لبنان، بل الثالثة خلال الأسابيع الأخيرة"، معتبراً أنّها بمثابة "عودة إلى دياره"، ومشيراً إلى أنّ "النقاشات التي يجريها مع مختلف الأطراف اللبنانية تأتي في سياق ما تم بحثه سابقاً، وتركز على إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية، من شأنه أن يفتح الباب أمام الخطوة التالية التي يحتاج أن يحققها لبنان".
وأوضح برّاك أنّ "اللقاءات التي جمعته برئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام كانت بناءة ومدروسة ومفعمة بالأمل"، كاشفاً عن أنه" سيلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري صباح الثلثاء".
ونفى برّاك أن "تكون لدى بلاده أي مطالب"، مؤكداً أن "نية أميركا تجاه لبنان هي نية صديق جاء تلبية لطلب المساعدة"، مضيفاً: "ما نقدمه هو اقتراحات، لا أكثر، من أجل التوصل إلى تفاهم بين المكونات اللبنانية التي فشلت سابقاً في تحقيقه”. ولفت إلى أن الولايات المتحدة ترى نفسها “كطبيب طُلب منه إجراء عملية جراحية لمريض على الطاولة".
ورداً على الحديث عن مطالب أميركية لنزع سلاح حزب الله أو تفكيك الصواريخ الدقيقة والمسيرات، شدد برّاك على أنّ "لا محادثات أجراها مع حزب الله"، معتبراً أن "أي تصريحات تصدر عنه تعبّر عن الحزب نفسه، لا عن تفاهمات قائمة".
وأكد أن "الحل واضح، وهناك معضلة تتعلق بميليشيا حزب الله، في مقابل إسرائيل التي تبدي موقفاً صارماً من هذه المسألة".
وأشار إلى أن بلاده "تتفاوض باسم لبنان وليس باسم إسرائيل"، مضيفاً: "على حزب الله، كونه جزءاً من لبنان، أن يتخذ قراره بنفسه".
وحول ما يُعرف بسياسة "العصا والجزرة"، أوضح برّاك أنّ "هذا المنهج يُستخدم في كل عملية تفاوض، مبدياً أسفه لغياب الثقة بين الأطراف الثلاثة: الحكومة اللبنانية، حزب الله، وإسرائيل. واعتبر أن هذا الغياب للثقة هو السبب الأساسي لفشل الاتفاقيات السابقة واستمرار النزاع في الجنوب، مما أعاق الإصلاحات المطلوبة للنهوض بالبلاد، مؤكداً أن الأمن هو الشرط الأساسي لتحقيق الاقتصاد والاستثمار والسياحة".
في الشق الاقتصادي، أشاد برّاك بخطط حكومة نواف سلام، ووصفها بـ"الواعدة"، خصوصاً في الملفات المصرفية والمالية. كما نوّه بأداء حاكم مصرف لبنان الحالي، واعتبر أن مشروع "ستارلينك" يشكّل خطوة نحو ضمان البنى التحتية الضرورية لجذب اللبنانيين العائدين والمستثمرين الأجانب.
وشدد على أن "توفر الأمن هو المدخل إلى كل ذلك"، معتبراً أن "الشعب اللبناني من الأذكى والأكثر تعليماً، لكنه يفتقر إلى بيئة آمنة".
في ما يتعلق بدعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني، أكد برّاك أن هذا الدعم "لا يرتبط بشروط، بل يندرج في إطار احترام كبير للمؤسسة العسكرية"، لافتاً إلى "أن بلاده تسعى إلى دعم الجيش اللبناني ليكون قوة حفظ سلام محترفة، وليس قوة هجومية، بما يسهم في توفير بديل عن القوى المسلحة غير الشرعية".
أما بشأن تجديد ولاية قوات "اليونيفيل" في آب المقبل، فأوضح برّاك أن "الموضوع لا يزال قيد البحث، وأن بلاده تعمل على تحديد ما يجب فعله لتعزيز الثقة بين الطرفين"، مضيفاً أن "القرار النهائي سيتضح قبل حلول أيلول".
وفي ما يتعلق بملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا، أشار برّاك إلى أن هذا النقاش مستمر منذ أكثر من أربعين عاماً، معتبراً أن الخروج من هذه الدوامة يتطلب التركيز على المستقبل لا على "خطوط رسمها رجال ونساء لأهداف لم تعد ذات معنى"، داعياً إلى تجاوز الانقسامات والعمل لإعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي كـ"لؤلؤة المنطقة"، ومركزٍ مرحّب بجميع أبنائه من مختلف الطوائف.
وختم برّاك بالتأكيد أن لحظة الحسم قد حانت، وأن "الفرصة متاحة للبنان كي يعيد تعريف دوره في المنطقة، وينطلق نحو مرحلة من السلام والازدهار الذي يستحقه شعبه".