في إطار "لعبة سحب الارانب" التي لطالما برع بها رئيس مجلس النواب نبيه بري، اكد الأخير لـ"الشرق الأوسط" في عددها بتاريخ 24/10/2022 انه "لن يقف مكتوف اليدين إزاء استمرار تعثّر جلسات انتخاب الرئيس وسيسعى بعد انتهاء المهلة الدستورية في 31 تشرين الأول، إلى استمزاج آراء الكتل النيابية وقادة الأحزاب حول الدعوة إلى حوار مفتوح لتعبيد الطريق أمام انتخاب الرئيس، وقطعها على للشغور. الحوار تحت عنوان تأمين أوسع تأييد نيابي لانتخاب رئيس توافقي".
لكن قطع الطريق على الشغور لا يبدأ بعد 31 تشرين الاول بل منذ إنطلاق مهلة الشهرين التي ينص عليها الدستور لإنتخاب رئيس أي منذ الاول من ايلول ولا يتحجج بأنه "لن يدعو الى اي جلسة قبل التوافق على الرئيس" ولا يعمد أعضاء كتلته الى تطيير النصاب بل يعقد جلسات إنتخاب متواصلة ومتتالية، حتى ربما كان عمل على الدفع لتقصير ولاية رئيس عهده كان اسوأ من الشغور حتى.
صحيح أن جدول اعمال طاولة الحوار المقترحة سيكون محصوراً بالملف الرئاسي ولكن تجارب طاولات الحوار السابقة غير مشجعة ولم تكن إلا لكسب الوقت. خير دليل على ذلك طاولة الحوار المحلية عام ٢٠٠٦ التي عقدت نظرياً للحوار أما عملياً فلكسب الوقت من أجل إستيعاب صعود قوى "14 آذار" والحد من مأزق "حزب الله" الذي سعى عبرها وعبر ورقة تفاهم "مار مخايل" في 6/2/2006 الى كسر الطوق الوطني حولها.
لقد تم الانقلاب على هذه الطاولة عبر "غزوة بيروت" في ٧ أيار ٢٠٠٨ التي أفضت الى طاولة حوار برعاية خارجية في الدوحة. ثم تم الانقلاب عليها أيضاً عبرOne way ticket قطعها عون بإسم "حزب الله" ومحوره للرئيس سعد الحريري في17/6/2011 وهو يدخل الى البيت الأبيض وأعقبها تشكيل حكومة "القمصان السود".
كما أن ثمة سؤال يفرض نفسه: على أي أساس سيحدّد بري الدعوات ومن هم قادة الاحزاب؟ فنحن لا ننسى معيار الدعوات السابقة حيث فُبركت كتل نيابية لبعض رؤساء الاحزاب "اليتامى نيابياً" لتصل الى عتبة الـ ٤ نواب كطلال أرسلان الذي أُرفد بـ ٣ نواب من كتلة العونيين أو سليمان فرنجية الذي "جُيّر" له نائب بعلبك – الهرمل يومها إميل رحمة بعدما اودعه "حزب الله" في كتلة الرابية.
كذلك، ثمة سؤال يفرض نفسه لماذا لم يبادر بري الى طرح خطوة الحوار هذه خلال الاستحقاق الرئاسي عام 2008 حيث دام الفراغ سنتين ونصف السنة؟! هل تأتي هذه الخطوة في إطار تكاملي مع دفع "حزب الله" الى رئيس توافقي ( وفق مفهومه) بعدما أظهرت الانتخابات تراجع قبضته وإستحكامه نيابياً، وهو إن بقي قوياً لكنه لم يعد الاقوى؟!
لذا إن كان بري صادقاً بدعوته ولا يسعى الى ملء الفراغ وكسب الوقت بـ"حوار فلكلوري" الاجدى به أن يتعظ من عظة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده الاحد 23/10/2022 ويأخذ بدعوته التي أطلقها حين قال: "تقع على النواب مسؤولية كبيرة، إن أحجموا عن القيام بها يكونون كمن ينحر وطنه، وإن كانوا واعين خطورة الوضع، فليغلقوا على أنفسهم في قاعة المجلس ولا يخرجوا منها قبل انتخاب رئيس".
إن كان بري جدياً فليفعلها، فدعوة عودة في صميم العمل البرلماني ومسؤولية نواب الامة. لتكن جلسات انتخاب رئيس متواصلة وهي خير حاضة لأي حوار جدي ووطني يرتكز على إحترام خيارات اللبنانيين في صناديق الاقتراع لا تفصيل دعوات على حجم سياسيين.