أحداث عسكرية "خطيرة" تحصل في المنطقة لناحية الحرب الجارية بين قطاع غزة وجنوب لبنان من جهة، وبين العدو الإسرائيلي وما خلفه من دعم أميركي وأوروبي واسع عسكرياً وسياسياً وإعلامياً من جهة أخرى، ما يطرح أسئلة كثيرة، ويكاد يكون السؤال الأبرز بينها "ما هي العوامل التي قد تؤجّج هذه المعركة"؟
وفي إطار تحليل ما حصل منذ اليوم الأوّل ل"طوفان الأقصى"، إعتبر الكاتب والمحلّل السياسي مروان المتني في حديث له لموقع LebTalks، أن "ما حصل في ٧ تشرين الأول هو زلزال كبير لم يشهده الشرق الأوسط في تاريخه الحديث، وعلى أثره بدأ دعم سياسي وإعلامي وعسكري غربي غير مسبوق لإسرائيل،
إذ إنّ إحدى الخطوات التي يحاول الكثيرون فهمها وتفسيرها، هي هذا الحشد الكبير جداً، ليس فقط من الأساطيل البحرية بل أيضاً الجسر الجوي الذي ينقل الذخائر والدعم العسكري لإسرائيل، والقسم الثاني الذي يعزّز القواعد الأميركية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط ويزيد بطبيعة الحال عدد أنظمة الدفاع الجوي الموجودة فيها".
وفي هذا السياق، إعتبر المتني أنه، بالرغم من أن الهدف المعلَن بحسب الولايات المتحدة الأميركية من الحشد العسكري المتواصل والمستمر، هو "احتواء الصراع والحرص على عدم خروجه من رقعته الجغرافية المحدّدة خصوصاً لجهة احتواء أي تدخّل، سواء من حزب الله أو من حلفاء إيران أو حتى ما يعتبره الأميركيون "خصوماً،إلا أنه يرى أن الهدف الأساسي يجب وضعه ضمن إطار الصراع الأكبر "الذي بدأ في أوكرانيا منذ حوالي سنة ونصف السنة أي الحرب بين روسيا من جهة و حلف الناتو من جهة ثانية، وإحتمال أن تكون هذه الجبهة هو الثانية في هذه الحرب العالمية التي قد تكون فُتحت في الشرق الأوسط"، لذلك يبقى السؤال المطروح حالياً "هل هذا الحشد الذي نشهده فقط للردع، أم أن هذه الجبهة ستكون كما في أوكرانيا جبهةً مفتوحة؟ والجواب سيكون حينما نعلم ما هي الخطة الفعلية للردّ على زلزال سبعة تشرين أول؟".
- شكل المنطقة في المرحلة المقبلة
يرى المتني في هذا الإطار أن "ميدان غزة اليوم أو أي منطقة أخرى قد تشتعل مستقبلاً سيقرّران شكل الشرق الأوسط ومساره للسنوات المقبلة، فالكلمة الفصل الآن هي للميدان كما كان الأمر في سوريا وشمال أفريقيا وغيرها، أما اليوم فالعودة الأميركية إلى الشرق الأوسط بدأت تظهر منذ شهرين عندما تم الإعلان عن إعادة نشر العسكر بعدما تم الإعلان عن مفاوضات سعودية- أميركية على اتفاق استراتيجي يتضمّن تخصيباً نووياً، و في جزء منه بدء التحضير لتطبيع سعودي - إسرائيلي، وهذا كان ليشكّل تحوّلاً عميقاً لو حصل، لكن قبل حصوله أتى "طوفان الأقصى" فانقلبت التوازنات و باتت الكلمة اليوم للعسكر، لكن ما يُقلق هو أن نكون قد أصبحنا في زمن الجبهات المفتوحة بدءاً من السودان مروراً بأوكرانيا وصولاً إلى غزة اليوم، فهل نحن أمام جبهة مفتوحة ثالثة بموازين ومخاطر أكبر في غزة؟".
حسابات وقف إطلاق النار
في الحسابات العسكرية، "أي وقف لإطلاق النار هو لمصلحة حماس، فالكلفة المدنية والتدميرية في غزة هائلة إلا أنها إذا استطاعت الوصول إلى اتفاق تبادل أسرى مقابل "إخلاء السجون الإسرائيلية من كل الأسرى الفلسطينيين" فهي ستعتبر نفسها منتصرةً بطبيعة الحال على ما يقول المتني،مضيفاً أن هناك شكوكاً حول إمكانية قبول الغرب وأميركا وإسرائيل بوقف إطلاق النار، ذلك لأن إسرائيل التي قامت على مبدأ التفوق العسكري وبحوزتها قوة ردع، بعد ما تعرّضت له في ٧ تشرين الأول هي بحاجة إلى انتصار عسكري واضح لتتمكن من القول إنها استطعت ترميم الردع.
أما عن الداخل الإسرائيلي، فيقول المتني " لا يمكن أن نغيب عما يُطرح في الداخل الإسرائيلي باعتبار أن نتنياهو بات "جثة سياسية" وعمره السياسي هو من عمر هذه الحرب، وأنه عندما تنتهي سيتم محاسبة المسؤولين ابتداءً من نتنياهو، لذلك فمن المستبعد أن يقبل نتنياهو بوقف الحرب، وذلك من أجل إطالة عمره السياسي، إذ إنه لا يمكن معرفة في أي اتجاه سيذهب، فنحن اليوم أمام وضعية غير مسبوقة وأي تحليل يستند إلى الواقع، فيما الوقائع التي كانت ما قبل ٧ تشرين الأول لا تصح اليوم بأي شكل من الأشكال ما يوجب أن نحاول استيعاب ما الذي يجري وفهم لماذا هناك هذا الحشد الكبير وهذه التعبئة الكبيرة في كل دول الناتو".
ومن جهة أخرى، على صعيد الداخل الإسرائيلي، فإن دولة الاحتلال تمر بأزمة عميقة، كان عنوانها أزمة الهوية، ومن ضمنها تعديلات قضائية ودستورية من حكومة نتنياهو، وبمقابلها كان هناك حركة احتجاج واسعة جداً وصلت إلى حد التضارب وأهمها وقف الخدمة في الجيش، وقد أتى "طوفان الأقصى" بظل هذه الأزمات، وحتى الآن الخلاف الإسرائيلي - الإسرائيلي قائم وقد لمسناه بالأمس من خلال تحميل نتنياهو المسؤولية للأجهزة الأمنية والشاباك الإسرائيلي قبل أن يمحي التغريدة بعد انتقاد عضو مجلس الحرب، وهو عضو حكومة الطوارئ ووزير الدفاع السابق بيني غانتس، لتغريدة نتنياهو والامتناع عن القيام بأي إجراء أو تصريح آخر "يضرّ بقدرة الشعب على الصمود".
هذا الخلاف هو محط مراقبة، وبالمقابل فإن الضغط الهائل الذي تضعه إسرائيل خصوصاً على المدنيين، وبدأ يتحوّل من يومين إلى ضغط ميداني على حماس، وفي ظل الضغط العسكري الجوي والبري والبحري والتكنولوجي يجب أن نراقب مدى قدرة حماس على الصمود، وبالتالي قدرة الإسرائيليين على الصمود والمقاومة، ويجب أن نراقب أيضاً المساعي من قطر ومصر ودول أخرى لمحاولة فكّ الاشتباك، لكي نرى إذا ما كانت هذه الجبهة مرشحة لأن تبقى مفتوحة وتبقى مخاطرها متوسّعة وكبيرة أو سيتم حصرها في غزة والوصول إلى ترتيب يبدأ بتبادل الأسرى".
تأثير التحرّكات الشعبيّة الأميركية والأوروبيّة
الرئيس الأميركي جو بايدن يتحضّر راهناً للدخول في فترة انتخابات، ومن المعروف مدى تأثير اللوبيات الإسرائيلية واليهودية على مسار هذه الانتخابات في أميركا، ما يعني أن الهدف الأول لبايدن سيكون إرضاء هذه اللوبيات والدفاع إلى أقصى الحدود عن ما يسمّيه حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، فوفق المتني فإن "الضغط الشعبي الأميركي والأوروبي لم يصل بعد إلى مرحلة التأثير على سياسات الحكام، والدليل أن عدداً كبيراً من الدول الأوروبية أصدر قوانين تجرّم حتى التعاطف مع غزة، ما يعني أن التحضيرات التي تحصل في دول الناتو تظهر أننا ندخل في صراع عميق وطويل".
في الختام، أسئلة عديدة وكبيرة تُطرح حول شكل المرحلة المقبلة يكاد يكون أهمها: هل هذه المعركة مقتصرَة فقط على حماس أم أن هناك خطة أكبر تستهدف الحضور الروسي والاختراقات الصينية في الشرق الأوسط؟ وكيف سيتطوّر موقف دول الخليج بقيادة السعودية والإمارات وسط المواقف التصعيدية التي يتخذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسط هذه المعركة؟ وكيف ستتبدّد التوازنات الإقليمية خصوصاً إزاء انتظار دور مصر في الأيام والأسابيع المقبلة؟ كل هذه الأسئلة جوابها سيظهر من خلال التطورات التي ستتبلور في الفترة القليلة المقبلة.