في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار الى تصاعد حمى التنافس الرئاسي في لبنان واعتبار موعد الجلسة النيابية لانتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني بمثابة محطة ثابتة وحاسمة ينظر اليها الداخل اللبناني والخارج العربي والدولي بأنها يفترض ان تكون نهاية أزمة الفراغ الرئاسي التي تمادت لسنتين وشهرين، برز في الساعات الأخيرة تطوران فريدان على مسار التعامل بين لبنان وسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد .
التطور الأول تمثل في أول كلام من نوعه يصدر عن قائد “هيئة تحرير الشام” في سوريا احمد الشرع (أبو محمد الجولاني) يتناول الوضع بين لبنان وسوريا وفاجأ عبره المراقبين بإعلانه بلا أي تحفظ تأييده لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية ولو أنه قرن هذا الموقف المفاجئ بتأكيد أن الامر يعود الى اللبنانيين وان لا تدخل بعد الان لسوريا في شؤون لبنان. وهو موقف لم يجد تفسيرا موضوعيا بعد لكونه خارجا عن دائرة التوقعات السياسية ولم يكن مرتقبا اطلاقاً الا اذا كان يستبطن معطيات إقليمية تدخل في اطار امني – سياسي بين لبنان وسوريا في مرحلة تركيب السلطة الانتقالية السورية للمرحلة المقبلة.
وقد قال الشرع في لقاء مع مجموعة من الصحافيين انه “ليس لدينا خطط للتدخل في لبنان واذا توافق اللبنانيون على قائد الجيش جوزف عون رئيسا للجمهورية فسندعمه”. وأضاف ” ليس لدينا مشكلة مع لبنان بل العكس نحن لا نريد ان نتدخل ونضغط على هذا البلد كما حصل سابقا “.
والتطور الثاني تمثل في اول اتصال يجريه زعيم او مسؤول لبناني بأحمد الشرع أجراه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط “مهنئاً الشرع والشعب السوري بالانتصار على نظام القمع وحصوله على حريته بعد 54 عاماً من الطغيان”. وافيد بان جنبلاط والشرع “أكّدا على وحدة سوريا بكافة مناطقها ورفض كل مشاريع التقسيم والعمل على بناء سوريا الجديدة الموحّدة، وإعادة بناء دولة حاضنة لجميع أبنائها كما اتفقا على اللقاء قريباً في دمشق”. واعتبر الشرع “أن جنبلاط دفع ثمناً كبيراً بسبب ظلم النظام السوري، بدءا من استشهاد كمال جنبلاط، وكان نصيراً دائماً لثورة الشعب السوري منذ اللحظة الأولى”.
وثمة ما يمكنه ادراجه أيضا في خانة التطورات التي تحمل دلالات بارزة تمثل في بيان أصدره امس رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن سقوط الأسد اذ اعتبره “سقوطاً لنهج الاستفراد بالحكم والاستقواء بالخارج. هو سقوط لتأجيج الطائفية، والظلم باسم طائفة كريمة استغلها بأبشع الصور” لافتاً إلى أن “سقوط الدكتاتور لا يعني شيئاً، إلا إذا تم إسقاط نهجه الذي قام على الاستقواء على الأفراد كما الطوائف والتعسف في ممارسة السلطة” مضيفاً: «وحده دفن هذه الممارسات بعد سقوط النظام يضمن قيامة سوريا وطناً ودولة لكل سورية وسوري، وإثبات للسوريين والعالم بأن الثورة السورية أكبر من أن تقع بفخ نهج الأسد، وأقوى من أن تسقط بمستنقع الفتنة والفوضى، وبعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال التطرف”.
اما في المواقف البارزة الأخرى فدعا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع المغتربين اللبنانيين لبدء التحضيرات للعودة الى لبنان، وقال: “أريد بكل صراحة ووضوح أن أدعوكم جميعاً للبدء في التحضير للعودة إلى لبنان. فالدول العربية كلها شقيقة، وأنتم ترون كيف يتعاملون معنا بانفتاح وترحيب. لكن، وعلى رغم ذلك، يبقى لبنان وطننا. عليكم أن تستعدوا للعودة إلى لبنان والبدء في بناء مستقبل مختلف لأبنائنا، مستقبل يختلف عن ذلك الذي ورثناه نحن”.
في المقابل اعترف الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم امس بخسارة طريق إمداد حزبه عبر سوريا، لكنه اعتبره “تفصيلاً صغيراً” متحدثا عن إمكان “عودة المعبر” أو “البحث عن طريق جديد”. واستبعد قاسم أن “يؤثر ما حصل في سوريا على لبنان” وقال إن حزبه “قوي ويتعافى” مشدداً على استمرار عمله المسلح، معلناً أنه سيتعاون في إخلاء جنوب الليطاني من السلاح والمسلحين. وشدد قاسم على أن “شرعية المقاومة تأخذها من إيمانها بقضيتها مهما كانت الإمكانات، والمقاومة قد تستمر 10 سنين أو 50 سنة وهي تربح أحياناً وتخسر أحياناً أخرى والمهم استمرارها في الميدان”. واعتبر أن “العدو أدرك أن الأفق في مواجهة مقاومة مسدود فذهب إلى اتفاق إيقاف العدوان” وقال: “نحن منعنا العدو من تحقيق الشرق الأوسط الجديد عبر بوابة لبنان، ولولا صمود المقاومين لوصلت إسرائيل إلى بيروت وبدأت خطواتها اللاحقة من استيطان وتوطين”.
وشدّد على أن “الاتفاق هو لإيقاف العدوان وليس لوقف المقاومة، وهو محصور في جنوب الليطاني”، وأضاف: “المقاومة لا تربح بالضربة القاضية على عدوها، وإنما بالنقاط، والمهم استمرارها مهما كانت إمكاناتها محدودة”؟ وعرض قاسم لبرنامج عمل “حزب الله” في المرحلة المقبلة، قائلاً: “إن برنامج عملنا في المرحلة المقبلة هو تنفيذ الاتفاق في جنوب نهر الليطاني وإعادة الإعمار وانتخاب الرئيس، والحوار الإيجابي حول القضايا الإشكالية، ومنها ما هو موقف لبنان من الاحتلال لأرضه؟ وكيف نقوّي الجيش اللبناني؟ وماهية استراتيجية الدفاع اللبنانية؟”.وقال إن “سقوط النظام السوري على يد قوى جديدة يفرض انتظار استقرار الأوضاع لتقييم توجهها». وأعرب عن أمله بأن يكون النظام الجديد “متعاوناً مع لبنان بشكل متكافئ، وأن يشارك جميع الأطراف في صياغة الحكم بما يحقق المصلحة العامة للمواطن السوري”. وتمنى “التعاون بين الشعبين والحكومتين في سوريا ولبنان، وأن تعتبر هذه الجهة الحاكمة الجديدة في سوريا (إسرائيل) عدواً”.