بعد تغريدتَين نشرهما على موقع تويتر، يسأل فيهما عن دور الرقابة ويطرح فشل المشروع “الإنقاذي” الذي وضعته وزارة الطاقة في العام 2011، إعتبر مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه الدكتور غسان بيضون في حديث لموقع LebTalks، أنه ” من دون رقابة، لن نستطيع أن نعلم أي شيء عن النتائج ولا عن التزامات الحكومة بإجازات السلطة التنفيذية، ولا يمكن حتّى أن نعرف مدى كفاءة الإدارة أو الرقابة الضريبية إلا من خلال الحسابات والتحصيلات وتطورها من سنة إلى أخرى”.
وتابع: إن وزارة المالية تعوّدت منذ 30 الى 40 سنة أن تعفي من الغرامات وتمدّد المهل وكأنها عاجزة عن تحصيل الضرائب، بالرغم من وجود أصول لتحصيلها، لذا فإن هذا العجز المزمن، سواء في الموازنة أو في الرقابة الضريبية، يجعل من عبارة استقراء اتجاهاتها أهم نقطة يمكن تسليط الضوء عليها، لأنه عندما نرى تزايد عجز الموازنة وعجز الخزينة ووضعها المالي غير المعروف وغير الواضح، فمن المفروض أن تتبيّن الموجودات والمطلوبات، لذلك كان من الممكن أن نرى الصورة بشكل أوضح، خصوصاً من جرّاء موازنات تضمّنت نفقات أكثر بكثير من الإيرادات التي كان يمكن تحصيلها، بحيث كان من المفروض وقتها أن تنبّه الرقابة من هذه الممارسات وتغيّر السلطة التشريعية منهجيتها، إضافة الى الأمر الأخطر وهو تقصير وزارة المالية وعجزها عن ممارسة سلطتها الرقابية واضطرارها لتمديد المهل والإعفاء من الغرامات، وهذا ما شجّع المكلّفين على التهرّب من دفع الضرائب”.
الضرائب الجمركية بين التهرّب والفساد
“بحجة تغطية زيادة رواتب الموظفين، يتم اليوم رفع الضريبة الجمركيّة”، يضيف بيضون ” إلا أن المصيبة هي في غياب عمل أجهزة الرقابة، مما لن يسمح للدولة بمراقبة مسار الأموال أو حتّى التأكّد من دفع الضرائب، إذ إن التهرّب الجمركي خطير ويُعتبر الأسهل نسبياً وسط واقع الإدارة الجمركية في الظروف الراهنة، وتلاعب التجار في احتساب الفواتير، ما يزيد من أرباحهم، خصوصاً وسط الشكاوى المستمرة من نقص عدد المفتشين والمراقبين والقضاة والمدققين في الأجهزة الرقابية والوزارات، لذا فإن رفع سعر الدولار الجمركي يفتح الباب للتهرّب والتلاعب مجدداً، فهذه الفوضى التي لا نزال نعيشها وهذا التقصير الذي تشهده الأجهزة الرقابية والإدارة الضريبية ووزارة المالية مخيف، ولن نجد نتيجة إيجابية سوى مزيداً من الهدر والفساد، وبالتالي فإن خزينة الدولة لن تستفيد إلا بالنذر القليل واليسير”.
وزير الطاقة يفرض مشروعاً مخالفاً للقانون
أما عن مشروع مقدّمي الخدمات الذي طرحه أيضاً في تغريدته، فأشار بيضون إلى أن ” وزير الطاقة فرض في العام ٢٠١٣ على كهرباء لبنان هذا المشروع، بحيث أن مؤسسة الكهرباء بهيكليتها وتنظيمها الحاليين، وبوجود غرفتين للتوزيع تهتمان بخدمات التوزيع، أي المحوّلات والشبكة ضمن الأحياء والعدّادات في الأبنية، علماً أنها تقوم بالتصليحات اللازمة لدى وجود الأعطال، إلا أنهم أدخلوا المؤسسة في موجة توظيف عمال موقتين بشكل مخالف للقانون وبأعداد كبيرة وفق محاصصات سياسية، وفرضوا عقوداً مع شركات مقدّمي الخدمات بموافقة الوزير منفرداً على توقيع هذه العقود، إلا أن المشروع فشل بعد شهرين من إطلاقه باعتراف المشرف عليه آنذاك، والذي صرّح عام 2014 أن المشروع قد فشل فشلاً ذريعاً ما شكّل نزفاً مالياً للمؤسسة يجب معالجته، علماً أن الهدف المعلَن لهذا المشروع كان تحسين الجباية وتخفيف الهدر غير التقني، لكن تم الاعتداء على الشبكات القائمة فيما لم يتم تركيب عدادات ذكية على مداخل الأحياء”.
وأضاف بيضون ” لقد تم صرف مبلغ أكبر من الموازنة الإجمالية الذي كان من المفروض صرفه على هذا المشروع، وهو 780 مليون دولار، إذ تم صرف مليار و200 مليون دولار، وها نحن لا نزال في انهيار تام وغياب رقابة، ومحاولة الوزير الحالي إعادة تفعيل هذا المشروع ستزيد من الهدر والتهرّب الضريبي والتعدّيات أكثر فأكثر، فيزداد العجز المالي في المؤسسة، وسنستمر في سماع المؤسسة وهي تتطالب بالمساعدات والسلف، خصوصاً بعد إضافة ديون بواخر الكهرباء وتكلفتها، الى انفجار مرفأ بيروت الذي أدّى إلى تدمير مركز التحكّم، ما يعني أن كل هذه المحاولات والأفكار أثبتت أنها فاشلة و أن إسقاط المؤسسة بيدي وزير الطاقة و تفرّده بقراراتها يجعلها في حال بحثٍ دائم عن المساعدات والمساهمات، كل ذلك أدى إلى وضع شروط تعجيزية وخطط إعتباطية غير مفيدة وهي حتماً لن تتحقق، فرفع التعرفة وما يسمّى بخطة الطوارئ لن يحققا النتيجة المتوخاة منهما، وسنعود الى أسوأ مما كنا عليه، الأمر الذي سيؤدّي إلى المزيد من الهدر ومن المديونيّة”.
غياب تاريخي للرقابة
وفي السياق عينه، إعتبر بيضون أنه “خلال سنوات الحرب لم يكن هناك دور رقابي، وفي مراحل البحث الدائم عن الحلول، استمر الوضع على ما هو عليه من دون أي حسابات ولا معلومات حتّى العام 2011، بحيث أن أجهزة الرقابة لم تستطع أن تقوم بأي إجراء للحصول على المعلومات، وهي لا تزال على هذه الحال حتى اليوم، فلا رقابة ولا حسابات ولا تقارير جديدة من ديوان المحاسبة، بالتوازي مع خلل في الإلتزام الضريبي والرقابي والتحصيل والجباية، ما يؤخر وزارة المالية في أغلب الأحيان، فلا بالأمس ولا اليوم هناك رقابة جدّيّة على الضرائب، وفي حال الفوضى الراهنة فإن زيادة الضرائب ستذهب نتيجتها سدى أو بالأحرى الى جيوب المتهرّبين والمهرّبين”.