لطالما شكّلت الرهبانيات سنداً أساسياً لدور الكنيسة الوطني في لبنان وفي طليعتها الرهبانية المارونية اللبنانية التي لم تكتفِ بتشريع أبوابها دوماً لأهل الفكر والثقافة وخلق “انتلجنسيا” تنكبّ على الدفاع عن هوية لبنان الوطنية، بل هي شرّعت أديارها في زمن المقاومة المسيحية العسكرية للشباب المقاومين من جهة، ولإحتضان المواطنين المهجّرين من قراهم من جهة أخرى. كما إنغمست بالمباشر في رسم مصير الجماعة في زمن الحرب عبر الدور المهم الذي لعبه الأباتي شربل قسيس ثم الأباتي بولس نعمان في الجبهة اللبنانية.
في زمن الطائف وبناءً على توجّه فاتيكاني، إنتظمت الرهبانيات تحت سقف بكركي وإنكفأت عن العمل السياسي المباشر. لكن المؤسف حينها، أن بعض الصروح التربوية التابعة لها تلكأت عن القيام بمهامها، لا بل عن مسؤولياتها ورسالتها عبر منع الانتخابات الطالبية في جامعاتها تحت حجج واهية، كالحدّ من التشنج بين الطلاب أو تلافي تكرار بعض الآشكالات التي وقعت بينهم. كما يعتبر بعض مَن عاصر تلك المرحلة أن الأمر ربما أتى انصياعاً طوعياً لتمنّيات النظام الأمني اللبناني – السوري في بعض الأحيان.
اليوم، تشهد معظم الجامعات ذات الخلفية المسيحية التي تُشرف عليها الرهبانيات أو الإرساليات إنتخابات طالبية، من الجامعة اليسوعية USJ الى الجامعة الأميركية AUB والجامعة اللبنانية – الأميركية LAU وجامعة “سيدة اللويزة” NDU، وصولاً الى جامعة “الحكمة” التابعة لمطرانية بيروت المارونية بإستثناء جامعة “الروح القدس” – الكسليك والجامعة الأنطونية إنتخابات طالبية شفافة ووفق أنظمة إنتخابية حديثة وآليات متطورة عبر التصويت الإلكتروني.
الغاية من الانتخابات الطالبية أبعد من تظهير المُناخ العام السائد في صفوف جيل الشباب والذي يشكل مؤشراً للبوصلة السياسية التي ستحكم الشارع في السنوات المقبلة ومن تظهير الأحجام الطالبية للقوى السياسية. الغاية هي التربية على الثقافة الديمقراطية وزرع روح المواطنة في أجيال الغد، كذلك تعزيز تقبّل الآخر و مبدأ الربح والخسارة. الغاية دفع الطلاب الى تحمّل المسؤولية والمشاركة في القرار عوض العيش على الهامش.
لذا التحجّج بالإشكالات لمنع الانتخابات الطالبية أو بالقرار الذي فرضته السلطة عام 2008 في الجامعة اللبنانية، وسعت لتعميمه على باقي الجامعات لفرملة تفوق قوى “14 آذار” على قوى “8 آذار” طالبياً يومها، لم يعد جائزاً. فالى متى ستبقى الجامعة الأنطونية وبشكل أساسي جامعة الكسليك الأعرق والتابعة للرهبانية المارونية الأكبر والأقدر تتنصّل من مسؤوليتها التربوية والوطنية؟ وكيف لبعض الرهبان من مطارنة ومدبّرين أن ينتقدوا نتائج صناديق الاقتراع التي أعادت بشكل كبير الطبقة السياسية التي أوصلت لبنان الى الانهيار، وهم مقصّرون بواجباتهم في تنشئة الأجيال على الروح الديمقراطية الحقة؟