محور الممانعة تحت رحمة الإختبار الإسرائيلي في سوريا

IMG-20220902-WA0001

منذ العام 2011 والى يوم أول من أمس شنّت إسرائيل على سوريا 1860 غارةً جويةً مستهدفة مواقع إيرانية وسورية وميليشياوية تابعة لإيران على الأراضي السورية، ومنذ ذاك العام الى الآن لم نرَ ترجمة لتهديد قوى الممانعة بمحو إسرائيل من الوجود.

مَن يستمع الى وسائل إعلام المحور المذكور يغوص في تحليلات وتبريرات أقواها غامض الإجابات وأضعفها متخبط في إيجاد تفسير لسكوت الممانعين إزاء تمادي إسرائيل في غاراتها التدميرية لمواقعهم وقواعدهم وشحنات سلاحهم.

السؤال الكبير الذي يُطرح بعد 1860 غارة ( بحسب إحصاءات إعلامية عربية ) أين المقاومين الأقحاح؟والأدهى أن بعضهم يتكلم، وبكل ثقة، عن انتقال المحور من مرحلة الردع الى مرحلة الهجوم على إسرائيل، فيما لا نرى الى الآن، ومنذ سنوات، الا هجمات إسرائيلية على سوريا وعلى مواقع إيرانية في سوريا وإطلالات إعلامية لمحللين ومعلّقين سياسيين موالين أو تابعين لهذا المحور يمعنون في المزايدات والتحديات الفارغة من أي مضمون عملي.

في مقال سابق لنا بتاريخ 27/8/2022 تحت عنوان "سوريا في مهب التغيّرات الجيو سياسية"، أشرنا الى ما ينتظر نظام الأسد من أثمان سيدفعها وهو أساساً لم يعد ممسكاً بحكم سوريا، واضعاً بلده أمام مفترقات خطيرة أحلاها أن تذهب ضحية تصفيات الحسابات الإقليمية والدولية، وقد باتت خارج سياق أي اتفاق نووي قد يُبرم قريباً.

سوريا اليوم المترنحة تحت ضربات أميركية من جهة وإسرائيلية من جهة أخرى، لا تجد من يحميها ويدافع عنها من الجانبين الروسي والإيراني، فالبيت الأبيض أعلن في 27 آب الماضي عن تنفيذ ضربات جوية ضد الميليشيات الموالية لإيران في شرق سوريا، ولو أن تلك الضربات سعت الى عدم التأثير على سير التفاوض مع إيران على ملفها النووي في لحظة حرجة من هذا التفاوض، الا أن رسالة الضربات الأميركية كانت واضحة في أنها لا تمانع من استخدام إسرائيل قوتها أيضاً للحفاظ على مصالحها رغم التفاوض النووي وإبرام أي اتفاق.

إدارة الرئيس جو بايدن وخلافاً لإدارة باراك أوباما تقيم وزناً للموقف الإسرائيلي وللمصالح الإسرائيلية في موضوع مخاوف إسرائيل من النووي الإيراني، فالتعاون والتنسيق الى حد ما قائم بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي وإن كانت واشنطن مصرة على إبرام الاتفاق النووي، وبذلك قد تكون أُرسيت معادلة بين الجانبين مفادها أنه مقابل التفاوض على النووي وإبرام الاتفاق يبقى لإسرائيل هامش تحرك واسع للقيام بأي إجراء يحميها ويبقيها في مأمن من تداعيات امتلاك إيران القدرات النووية، وأولى الساحات التي سُمح فيها أميركياً لإسرائيل بتنفيذ إجراءاتها العسكرية في سوريا.في 23 آب الماضي وعشية إرسال الرد الأميركي على إيران، حصل اجتماع بين كل من مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ومنسق سياسة الشرق الأوسط بريت ماكغورك ومستشار الأمن الوطني الإسرائيلي ايال هولاتا حيث قَبِل الأميركيون بعض طلبات إسرائيل في المفاوضات، خصوصاً وأن ملفي البرنامج البالستي والمسيرات وميليشيات إيران في المنطقة بقيا خارج نطاق تفاوض فيينا وخارج إطار الاتفاق النووي، ما أتاح للأميركيين إطلاق يد إسرائيل في التصدي للملفين من دون أي تأثير على الاتفاق النووي العتيد.أبرز ما يهم تل أبيب هو تشديد التفتيش الدولي لوكالة الطاقة الذرية على أنشطة إيران النووية غير المعلنة والعقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني وضرب الميليشيات الإيرانية في المنطقة ومنع إيران من تطوير برنامجها النووي ليصل الى تصنيع القنبلة النووية.

ويبدو أن الأميركيين وافقوا على أبرز هذه الهواجس وقدموا لإسرائيل ضمانات معينة من ضمنها إبقاء يد إسرائيل مطلقة لضرب أية أهداف تعتبرها تل أبيب مصدر تهديد إيراني لها ولأمنها.

وهذا ما يفسر من جهة توالي الغارات الإسرائيلية في خلال الأيام القليلة على سوريا وآخرها أول من أمس على مطار حلب، وفي نفس الوقت ما تردد عن استعجال البيت الأبيض تل أبيب إنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل كي لا يؤدي التصعيد الإسرائيلي الذي يتوقعه الأميركيون الى عرقلة إنجاز الاتفاق حول الترسيم البحري خصوصاً وأن كلا من واشنطن وأوروبا بحاجة لإنجاز هذا الملف للفوائد الاقتصادية لهما في الطاقة وتأمين مصادر جديدة لها تعوض النقص المتأتي من مقاطعة النفط والغاز الروسيين.واشنطن تعطي إسرائيل تعاوناً عسكرياً مشتركاً لضرب أي مصدر تهديد إيراني إقليمي سواء من مسيّرات أو صواريخ في مقابل تمرير واشنطن الاتفاق النووي.

من هنا فإن المتوقع أن يستمر قصف إسرائيل لإيران ومواقعها ومواقع ميليشياتها في سوريا وآخرها الاستهدافات التي طالت خلال اليومين الماضيين مواقع في محيط حماه وطرطوس ومطار حلب ومستودعاته حيث أسلحة ومعدات إيرانية لحزب الله وميليشيات إيران.

الأسد اذاً ضحية الاتفاق النووي في ظل فتح الأميركيين والإسرائيليين الجبهة السورية ضد إيران وسوريا في مؤشر واضح على تبدّل موازين القوى الإقليمية، وقد بات نظام الأسد معزولاً حتى من إيران التي لا تستطيع التضحية بالاتفاق النووي الذي تريده في سبيل فرض حماية نظام دمشق على الأميركيين والإسرائيليين، ما سينعكس لا محال عاجلاً أم آجلاً تبدلات سلوكية لدى حزب الله في لبنان تواكب تبدّل المعطيات في العراق واليمن وسوريا.

بوادر وهن وضعف تصيب محور الممانعة قبل وبعد الاتفاق النووي، وما يبدو أنه مكاسب لإيران من هذا الاتفاق وفي الحقيقة ثمة مكاسب، الا أنها لا ترقى الى مستوى التوازن الاستراتيجي بينها وبين أثمان ستدفعها إيران في المنطقة، وأهمها تراجع إيران وتأثيرها على مراحل ومعها تدهور ميليشياتها وأذرعها في المنطقة.

بالمناسبة نشير الى أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن يشير الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطابه الأخير الى الاستعداد للبحث باستراتيجية دفاعية، علماً أن التجارب السابقة لم تكن مشجعة، ومع ذلك فمجرد إثارة الموضوع مجدداً يحمل أكثر من علامة استفهام مرتبطة بما يجري حالياً في كواليس القرار الدولي الإقليمي للمنطقة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: