كتب المحرر السياسي
منطقٌ لافت يظهر في الآونة الأخيرة في اتجاهات بعض الإطلالات الإعلامية كما في مقالات عدة، وهو منطقٌ تحاول ما يُسمّى بقوى التغيير تسويقه والبناء عليه من أجل تمييع المشكلة الحقيقية التي يمرّ بها لبنان. وتلاحظ مصادر مراقبة للمشهد العام، أن هذا المنطق الذي يسوّق لفكرة انتخاب رئيسٍ للجمهورية من خارج الإصطفافات السياسية، متعالٍ بعض الشيء، وفاقد لخطوات عملية يطلب على ما يسمى بقوى التغيير تبديله بتنازلات مطلوبة منهم تريح من حولهم حيث يمكنهم الذهاب بجديةٍ أكبر بإتجاه لعبة رئاسية تواكب أهمية الإستحقاق وضرورة إنجازه. وبين "رئيس من خارج الإصطفافات السياسية" و "تنازلات مطلوبة من هذه القوى"، وضعت المصادر المراقبة أكثر من علامة استفهام توازياً مع مقترحات، من المهمّ تداولها من أجل بلورة وتوضيح وتكبير الصورة الحقيقية اليوم. وفي هذا المجال وفي إطار قدرة الرئيس من خارج الإصطفافات، تركز التساؤلات على موقفه من الملفات المطروحة، كالتحقيق الدولي بانفجار مرفأ بيروت، أو موضوع المعابر البحرية والجوية الرسمية وغير الرسمية، أو رأي هذا الرئيس بفتح قنوات إعلامية للحوثيين وتدريبهم في لبنان وعقد مؤتمرات للمعارضات العربية في بيروت، وبتطبيق القرارات الدولية، وبعمليات الإغتيال السياسي التي حصلت في لبنان منذ عام 2005.ولا تقف المصادر المراقبة عند هذه الأسئلة المتداولة في الأوساط الشعبية والإعلامية القلقة على المصير، بل تتجاوزها إلى طرح رأي هذا الرئيس بالتدقيق الجنائي في المصرف المركزي وفي الوزارات كلها، بدءًا من وزارة الطاقة وليس انتهاءًا بوزارات الصناعة والزراعة والصحة والإتصالات،وباللامركزية الواردة في الطائف، لجهة كونه لامركزية إدارية فقط أم مالية أيضًا، إضافةً إلى حجمها، وبالتالي، فهل يعني انتخاب "رئيسٍ خارج الإصطفافات"، أنه سيساوي بين القاتل والقتيل؟
وتؤكد المصادر المراقبة نفسها، أنه إذا كان الرئيس لا يملك إجابات على هذه الأسئلة، فذلك يعني أنه "بلا رأي ولا يستطيع أن ينتشلنا من الواقع الذي نحن فيه والذي يحتاج قرارات جريئة ورئيس جريء، أقلّه لمحاسبة الفاسدين. وأما إذا كان لديه رأي واضح بهذه المسائل، فهو بالتأكيد لن يكون توافقياً، لأن هذه المسائل التي يُطلب منه أن يكون له رأي فيها، هي من بديهيات العمل السياسي في أي دولة طبيعية في العالم، ووالمطالبة بهذه كما تقوم به القوات اللبنانية، لا تعني أنها تطلب شيئًا فوق الطبيعة".ولذا، حين يتكلم مسؤولو "حزب الله" عن التوافق، ألا يخجلون؟ كما تُضيف المصادر نفسها، التي تسأل:" أين التوافق بشأن سلاحهم ودورهم وكل ما يعملون؟ حين يقولون بالديمقراطية التوافقية، أين كانت أيام حكومة حسان دياب؟"أمّا لجهة التنازلات المطلوبة من المعارضة، فتكشف المصادر المراقبة، أن "القوات دفعت التنازل الأول والأهم، كونها الكتلة الأكبر في المجلس، والكتلة المسيحية الأكثر تمثيلًا وشعبية، عبر التنازل عن التمسّك بسمير جعجع كمرشح وحيد للرئاسة، ولم تتمترس كما يفعل غيرها في مواقعهم. وهذا التنازل يجب أن يلاقيه المعارضون في منتصف الطريق. وكي تُطاع، أطلب المستطاع. والجوّ الذي خرج به الناس من الجلسة الأولى، هو أن مجموعة التغييرين تصغي لرأي المخابرات الفرنسية، وهذا جوّ يجب تبديده".
من جهةٍ أخرى، وإذا كان الهدف من حراك النواب الجدد تأمين وصول رئيس تسووي لا رأي ولا طعم له، يُبقي الوضع على ما هو عليه، وفق المصادر، فكيف يكونون حينها "أمينين على أحلام ناخبيهم بالتغيير المنشود؟" وأكدت أن "التغيير يتطلب شجاعة، والشجاعة تعني قول الأمور كما هي، والتمسّك بالقانون والدستور مهما كانت التضحيات المطلوبة والتهديدات الموجودة، والسعي للوصول إلى ما يجب الوصول إليه، حتى لو كان هذا الوصول متعذرًا حاليًا، علماً أنه وبعد الخبرة الحالية في التعاطي النيابي والسياسي من الداخل، يجب أن تكون قد تكوّنت صورة واضحة لدى المعارضة عن أن، كلّن يعني كلّن، هو تصريح خاطئ، وأنه لا يمكن المساواة بين كلّ الأحزاب والتيّارات والجهات السياسية في كيفية التعاطي مع الشأن العام."
وتشدد المصادر أن ملاقاة "القوات" للقوى السيادية الأخرى على ترشيح ميشال معوض ليس للمناورة وليس من أجل لعبة حرق أسماء، موضحةً أنه "ترشيحٌ ينطلق من الخيارات الوطنية التي تؤمن بها القوات والتي وجدتها في مواقف معوض، ذلك أن وطنيّة القوات ومسؤوليتها أمام الإستحقاقات ليست من أجل الإستعراضات الفولكلورية، بل هي من أجل الوصول إلى حلّ وطني يرعى مصالح كلّ اللبنانيين، مدخله إنتاج رئيس سيادي يحمي حضور لبنان في محيطه ويؤسّس لمسارٍ إنقاذي نحتاجه للخروج من مستنقعات التوافقية الفاشلة وانتحارات فريق حزب الله الذي يُبدّي الأجندة الإيرانية على مصلحة لبنان."