ما قاله أمس رئيس الجمهورية هو إنقلاب واضح على كل مفاهيم الدولة، فقد قال بصراحة أنه يريد "تكبير" دور الحكومة المستقيلة وإعطائها صلاحيات إستثنائية وهذا يعني كسرا إضافي للدستور وللطائف، فما طلبه من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من عَقْد جلسة إستثنائية للحكومة يعاكس ما ينص عليه الدستور، والطلب منها تشريعات إضافية لتقديمها إلى مجلس النواب للتصويت عليها، وهذا أيضاً يخالف الطائف والدستور اللبناني، هذا في الشكل.
أما في المضمون، فقال أمس "أنا الجنرال ميشال عون" بما يعنيه، إضافة إلى كوني رئيساً للجمهورية لا أزال ميشال عون ١٩٨٩، فكما إستطعتُ الإنقلاب وقتها فأنا مستعد اليوم في ٢٠٢١ للإنقلاب أيضاً، ولكن الفرق أنه سيكون إنقلاباً عبر دبابة حزب الله وليس دبابة الجيش اللبناني.
كانت واضحة بالأمس الصورة الإنقلابية التي يضعها عون، فعندما توقف القوميون العرب عن المناداة بمشروع إقتصادي يربط لبنان بالأردن وسوريا والعراق، يُخبرنا عون اليوم أن الحل هو "قومي عروبي من مشرقيتنا" وأن لا أمل لخلاص لبنان إلا بالمحور الإيراني بين فينزويلا، اليمن ولبنان، فما أخبرنا به أمس هو أن وجه لبنان، بعد مئويته، لن يبقى على حاله، فعلينا الإنضواء تحت راية الحزب وإيران في مشرقية عربية من إختراعه، بعد المشرقية المسيحية، لإبعاد نفسه عن العرب والعروبة، ويقول إن معركته هي تغيير وجه لبنان الذي تعودنا عليه من مئة سنة، وسيكون لبنان ال١٠٠ سنة الجديدة إنطلاقاً من عهده.
إنقلاب كامل كان أمس على كل ما هو "لبنانيّ"، فقد وضع الرئيس جانباً كل الإنهيارات التي يمر بها البلد وإعتبر أن المشكلة ليست سياسية بل إدارية من فساد وعجز والأساس هو المصرف وحاكم مصرف لبنان، بإعتبار أنه لو غيّرنا اليوم حاكم مصرف لبنان إلى حاكم "أوليمبي" وأتينا بحكومة إختصاصيين، ستنحل أمور البلد، موجهاً بذلك البوصلة إلى أن المشكلة إقتصادية وليس لها دخل بالمحور الأيراني وسلاح حزب الله وسياسته المتحكمة بالبلد، وهذا ما يجري اليوم في فينزويلا وسوريا.
هذا التبسيط والإبتعاد الكامل عن الواقع وهذا الكلام الإنقلابي يبعدنا كل البعد عن الواقع اللبناني، فاليوم يوجد في لبنان مشروعان لا ثالث لهما، أحداهما حزب الله والمحور الإيرانيّ من التوجه شرقاً لضمان المصالح الإيرانية، والثاني هو الحياد الذي يطالب به البطريرك الذي لم تتوضّح معالمه بعد ولكنه الأمل الوحيد للبلد بعد أن تتم "شدشدته" لكي يصبح واضح المعالم ويجب مساعدة البطريرك عليه لكي يصبح مشروعاً قوياً وواضحاً.
ما قاله عون بلأمس من إنقلاب على الواقع لا يعني سوى أنه مستعد لأن يرتدي البزة العسكرية على دبابة حزب الله والولي الفقيه!
