“التقدّم مستحيل من دون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء”، بهذه المقولة المنسوبة للناقد والكاتب المسرحي الإيرلندي جورج برنارد شو يمكن تلخيص المشهد الرئاسي في لبنان لدى المعسكرين، معسكر الممانعة والمعسكر المقابل.
فمن جهّة، لا تزال الأمور تراوح مكانها لدى معسكر “8 آذار”، ولا تقدّم في مسعى “حزب الله” لتوحيد صفوف فريقه خلف مرشح رئاسي واحد والسبب هو أن الحزب لا يريد التغيير أبداً ولم يتعظ مما آلت إليه أوضاعه السياسيّة، ويستمر في سياسة المكابرة وفرض الرأي بطرق عدّة على الحلفاء قبل الخصوم، فهو يريد أن يكون رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيّة مرشّح هذا الفريق الرئاسي الأوحد شاء من شاء وأبى من أبى ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أول من تنطبق عليهم هذه المعادلة.
اللعب على وتر غرائز باسيل وجموحه الأعمى للمكاسب والمكتسبات لإيجاد مخرج جيّد نسبياً لرئيس التيار يبقي فيه على “زواج المتعة” بين الطرفين منذ العام 2006 ولو بالحد الأدنى، لاعتبارات مرتبطة بالوضعيّة الاستراتيجيّة للحزب في الداخل اللبناني.
أما من الجهّة المقابلة، فالأوضاع ليست أحسن حالاً، باعتبار أن هناك بعض المتزمّتين الذين يرفضون الإستماع للمنطق ويتشبثون بآرائهم ويأبون تغيير عقولهم المنحرفة، وبالتالي فلا تقدّم ممكناً. هناك مَن يعتبر أن النضال بدأ معه في سبيل الحريّة والقضيّة اللبنانيّة ويضرب عرض الحائط بنضال مجموعة استمر لما يزيد عن 1500 سنة في سبيل الحريّة و47 سنة في سبيل القضيّة اللبنانيّة، والأنكى أن بعض هؤلاء لم يكن قد ولد بعد عندما بدأت هذه المجموعة النضال إلا أنه “متنطّح” ويدعي المعرفة وقد فاته بيت الشعر لأبي نواس القائل: “فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفةً حفِظْتَ شَيئاً ، وغابَتْ عنكَ أشياءُ”، وأقل ما يقال بهذا الأداء أنه رعونة سياسية ما بعدها رعونة. أما البعض الآخر، فيربط مصير البلاد والعباد بمصالحه الشخصيّة السياسيّة ويطالب بالمكتسبات مقابل كل خطوة يجب عليه القيام بها.
في المحصّلة، الملف الرئاسي في حالة مراوحة إلى أجل غير مسمى ولا يبدو في الأفق حتى اللحظة أية بوادر لتغيير الوضعيّة الراهنة، بالرغم من كل المعلومات المتداولة عن إبلاغ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله النائب طوني فرنجيّة عن اعتماد والده كمرشحٍ حصري لفريق “8 آذار” بشكل حاسم لا رجعة عنه، لأن هذه المعلومة الجديدة لا تفيد سوى بتأكيد ما كنّا نتكلّم عليه آنفاً، وتزيد من التعقيدات داخل الفريق الواحد قبل أن ننتقل من هذا المستوى إلى المستوى الوطني.قد يكون أبرز مَن قرأ هذا الواقع هي البعثات الدبلوماسيّة في لبنان، بحيث أن حركتها انخفضت إلى مستوى الترقّب والمتابعة ولم يعد هناك أي مسعى أو مبادرة من أي جهة دوليّة كانت أم عربيّة، فلا استعداد لدى أي طرف خارجي بالدخول في وحول الإستحقاق الرئاسي في ظل الواقع الراهن لدى المعسكرَين. هذا بالرغم من المعلومات التي تفيد بأن الفرنسيين سيستأنفون مسعاهم ولكن هذه المرّة من دون أن يكون لديهم إسم مسبق يعملون على تسويقه.وفي هذا الإطار، تخرق المراوحة في هذا الملف معلومة واحدة يمكن اعتبارها تطوراً طفيفاً في مكان ما، وهو ما تسرّب عن أن “التيار الوطني الحر” يمكن أن يؤمن نصاب جلسة انتخاب الرئيس في حال وصلت المفاوضات مع “حزب الله” إلى حائط مسدود وأصر الأخير على ترشيح فرنجيّة ولكن من دون التصويت له، ليترك باسيل في هذه الحال الأمور رهن مسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري في إقناع رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط وبعض النواب السنّة بالاقتراع لصالح رئيس “تيار المردة” بغية تأمين أكثريّة الـ65 صوتاً له.
ختاماً، سؤال منطقي يخطر في البال، بعد سماعنا خبر اللقاء الذي يحضر لعقده 30 نائباً ما بين مستقلٍ وتغييري في فندق بادوفا في بيروت للتباحث في الملف الرئاسي، ألم يكن الأجدى عقد هذا اللقاء قبل شهرين أو ثلاثة أشهر من انتهاء المهلة الدستوريّة ودخول البلاد في الفراغ؟