كتب هشام بو ناصيف:
اعتاد اللبنانيّون طوال السنوات الأخيرة من تاريخهم سماع حسن نصراللّه يتباهى باثنين: القدرة العسكريّة لمنظّمته التي حذّرنا بأنّها تضمّ مئة ألف مقاتل لو حملوا على الجبال لأزاحوها؛ وصلابة تضامن محوره الذي صوّره لنا كطبق نحاس، لو ضربته من مكان لرنّ بالضرورة من مكان آخر. كما اعتاد اللبنانيّون طوفان فخر طائفي شيعي غير مسبوق بتاريخ الجماعات اللبنانيّة، ربّما يكون شعار “سنعبر البحر معك” الأكثر تعبيراً عنه. هكذا، باختصار، قدّم الشيعة نفسهم للآخرين: من فوق، منظمّة عسكريّة تختزن قدرات حربيّة خرافيّة، وتستند الى محور موحّد يعطيها عمقا استراتيجيّا؛ ومن تحت، مجتمع متوثُب، ومستعدّ عن بكرة أبيه للشهادة، والقتال.
ومع الاقرار بصعوبة التنبؤ بنتائج المسار الذي أطلقته أحداث الأيّام الأخيرة بلبنان، فليس من المبكر استخلاص ما يلي: كلّ ركيزة من ركائز السرديّة أعلاه خرافة كانت أيّام قليلة من العنف الاسرائيلي كفيلة بتحطيمها بقسوة. على المستوى العسكري المحض، النتائج لا تخطئها عين: عناصر حزب الله القتلى بالمئات؛ القادة الميدانيّون الكبار يسقطون بعمليّات نوعيّة؛ ضربة البيجر تكاد تكون عصيّة على التصديق؛ والحملات الجويّة المتلاحقة تطحن العظام. ماذا قدّم حزب الله بالمقابل؟ اطلاق صليات على الجليل؟ عظيم. بقيت فتح تقصف الجليل لسنوات منذ اتفاقيّة القاهرة حتّى خروجها الذليل من لبنان عام 1982. ماذا حقّقت عمليّا؟
أمّا على مستوى “وحدة الساحات” المفترضة، فلا يعرف واحدنا أيضحك أم يبكي عندما يرى الرئيس الايراني مسعود بزشكيان يعلن من نيويورك حبّه للأميركيّين باعتبارهم “أخوة لنا”، مؤكّداً أنّ رسالة ايران للعالم هي “الأمن والسلام”. يبقى القليل، ويرخي بزشكيان شعره ويصدح مع بقايا هيبيز أميركا: “مايك لوف؛ نوت وار”. والحال أنّ النظام الايراني الذي فهم أنّ “القصّة جدّ” هذه المرّة يحاول انقاذ رأسه، ليس الّا. تاليا، يستطيع شيعة لبنان أن يتدبّروا أمرهم بأنفسم، لأنّ أولويّة طهران بمكان آخر.
الأمر عينه صحيح عن النظام السوري. وبالنسبة لبشّار الأسد، لا بأس في أن ينتقل مقاتلون شيعة من لبنان ليموتوا بالمئات دفاعا عن حكمه، ويساعدوه بسفك الدم السنيّ السوري. أمّا أن يردّ الأسد الجميل اليوم بلحظة حشرة نصراللّه، فهيهات. ماذا عن الجزء الثالث من المعادلة – المجتمع المتحرّق للقتال، و”سيّد حسن يا حبيب، اضرب دمّر تلّ أبيب”؟ هو فعلاً “يخوض البحر” كما وعد، ولكن بالاتّجاه المعاكس، أي صوب بيروت، لا صوب الجبهة مع اسرائيل. قلتم: “يا سيّد يلّا، دخيل اللّه”…أليس كذلك؟.