Search
Close this search box.

من أفغانستان الى إيران…فوضى خلّاقة ودرب الحرير نحو حصار الصين

إعتبر الكاتب و المحلل السياسي جورج أبو صعب أن ما يحصل في أفغانستان تعود جذوره الى عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان عندما طلب من الكونغرس إعداد خطة لِما بعد سقوط الإتحاد السوفياتي على اعتبار أن سقوطه كان مسألة وقت، يومها وضع الكونغرس خطتين، الأولى تتضمن وجوب العمل على تطوير منظومات الدفاع والتسلّح لحلفاء أميركا بالمنطقة وتعزيز الدفاعات الصاروخية والنووية، وأخرى الإستعداد لمواجهة الخطر الآتي وهو الخطر الصيني، وكان هذا اقتراح مستشار الأمن القومي الأميركي يومها زبغنيو بريجينسكي، فوُضعت الخطتان لمواجهة الصين التي حكي وقتها أنها ستصل في العام ٢٠٣٠ الى منافسة الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى، وبرز حينها شعار “حصار الصين” إلى أن تم الإعلان عن هذه الخطة في قمة مجموعة الدول السبع الأخيرة التي انعقدت على اثر قمة العشرين حيث بات الكلام علنياً عن حصار الصين.
وتابع أبو صعب “حصار الصين” يبدأ بالخطوة الأساسية وهي خط طريق آسيا الوسطى، ففي البداية كان الإقتراح أن يتم اختراق الصين من خلال إيران، لكن تبيّن أن وضع إيران لا يسمح بأن تُستخدم كأداة لتنفيذ الخطة، لذلك لم يبقَ أمام الغرب والأميركيين سوى أفغانستان كأداة فضلى لاختراق آسيا الوسطى تمهيداً لمحاصرة الصين، مع وجود جماعة أسلام سياسي ذات خلفية بشتونية من قبيلة بشتون (طالبان)، وهي القبيلة الأقوى والأكثر أهلية للحكم، وبالتالي يمكن أن تُستخدم كأداة لإحداث ما سمي “بالفوضى الخلاقة” كما حصل في الشرق الأوسط منذ هجمات ١١ أيلول، وبالتالي بالإمكان المراهنة على طالبان والبشتون في تنفيذ خطة محاصرة الصين ومهاجمتها من أفغانستان.”
ومع عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تم الاتفاق مع الجيش الأفغاني وحكام وزعماء القبائل وكلهم من البشتون على تسليم السلطة الى حركة طالبان، حينها توقفت رواتب الجيش الأفغاني لمدة ٣ أشهر لعدم حاجة البلد له.
وأشار أبو صعب أنه “سواء كنا أمام طالبان أم الرئيس كرزاي السابق أم حكام الولايات أم الرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني الذي سلّم أفغانستان الى طالبان بحسب الاتفاق الأميركي فكلهم من أصل بشتوني، ولطالما أراد البشتون الإستفراد بالحكم، وبهذه اللحظة إلتقت مصلحتهم مع مصلحة الولايات المتحدة الأميركية والغرب بأن تكون أفغانستان هي البوابة لمحاصرة الصين على أن تكون قبيلة البشتون هي من تدير هذه اللعبة”،
مع إشارة مهمة وهي أن البشتون هم من أقصوا سابقاً عبدالرشيد دستم وقوات أحمد شاه مسعود وعطا نور كما أقصوا الأوزبكيين والطاجيكيين والهزاريين بإتهامهم حينها بخيانة القضية الإسلامية.
الرئيس الأفغاني أشرف غني وقبل هربه مع صناديق المال طلب بنفسه تسليم الولايات الأفغانية وكل مقرات الحكومة في كابول الى طالبان من دون أي مواجهة أو سفك دماء ولم يستخدم سلاح الجو وهذا ما “فضحه” وزير الدفاع الأفغاني منذ يومين معتبراً أنه خائن لأنه تواطأ مع طالبان وأميركا وسلّمهم المقرات من دون أي مقاومة ثم هرب بعد أن سلّم البلد إلى طالبان ما يعني أنه كان موافقاً على الخطة.
“من المؤكد أن الاتفاق الطالباني-البشتوني- الإسلامي في أفغانستان ليس إلا خطة للدخول الى آسيا الوسطى، ونحن أمام حرب باردة جديدة يتم تنفيذ بنودها الأولى من خلال باب أفغانستان”، على ما أشار اليه أبو صعب،
أما بالحديث عن وضع إيران في ظل تطورات الوضع الأفغاني، فيؤكد أنه في حال تم الاتفاق النووي أو لم يتم فهناك تغيير ما حصل أو سيحصل في إيران، ففي كلا الحالتين يجب أن يتغير النظام في إيران، لكن هذا التغيير لن يكون إلا من خلال الداخل الإيراني، إذ لا يمكن أن يقبل الغرب بأن تكون إيران عقبة أمام حصار الصين، خصوصاً بعدما وقّعت طهران على إتفاقية الإستثمار الصيني لمدة ٢٥ سنة، وهذا ما جعل إيران تذهب بعكس التيار الغربي الأميركي لمحاصرة الصين وهو ما لا يقبله الأميركيون والغربيون .
“إذاً إسقاط النظام الإيراني لن يكون بضربة عسكرية إنما داخلياً وهذا ما رأيناه في الأونة الأخيرة من مؤشرات التغيير عبر المظاهرات وانتفاضة المدن الكبرى وعربستان والتعدي على المقرات الرسمية الإيرانية وغيرها من التحركات ضد النظام الحالي وصولاً الى حرق صور المرشد والتعدي على رموز النظام”،
وبالتالي نحن أمام مشهدية إيرانية ستتأثر لا محالة بما يحصل في أفغانستان بموازاة الغليان الداخلي”،
وما يجب التطرق اليه، حسب أبو صعب، هو التأثيرات على دول الطوق الصيني-الروسي، إذ من حيث المبدأ فإن روسيا والصين متوجستين مما يجري في أفغانستان لدرايتهما بالخطة الأميركية الهادفة لمحاصرة الصين وتهديد الأمن القومي الروسي، لأن طالبان في أفغانستان هي تهديد للأمن القومي الروسي لخطره الإسلامي الجهادي على روسيا، خصوصاً وأن طالبان يمكن أن تصدّر مجاهدين الى دول الطوق الإسلامي المحيطة بروسيا الإتحادية، من هنا كانت خطوة الرئيس فلاديمير بوتين منذ فترة بتحالفه مع حاكم الشيشان كاديروف الذي يعتبر أن حركة طالبان عميلة للأميركيين، فيما طالبان تعتبره عميلاً للروس وقد هدروا دمه منذ فترة باعتباره عميلاً “للكفار” الروس.
إذاً نحن أيضاً أمام حرب بالوكالة ستتم، في وقت هناك محاولات دبلوماسية وسياسية تتم بين روسيا والصين من جهة، ومع طالبان من جهة أخرى في محاولة لاحتواء الحركة والحدّ من تأثيرها السلبي على أمنهما القومي لدرجة محاولة جذبها للمعسكر الروسي-الصيني،
فالصين هدفها حماية طريق الحرير التجاري الذي يمر بأفغانستان ليكون آمناً والذي يتواصل برياً مع منطقة الخليج، وفي الوقت نفسه تخشى الصين التهديد الإيغوري الإسلامي، وبالتالي ستتم حرب بالوكالة بين مسلمين ومسلمين لحماية مصالح الصين إذا لم تستجب طالبان لمحاولة الإحتواء الصيني-الروسي، وهذه ستكون مرحلة من مراحل هذه الحرب.
أما روسيا فقد بدأت بتحرك أمني مع أوزباكستان
وطاجكستان لمنع تسلل أية عناصر جهادية من أفغانستان من شأنها تهديد مصالح روسيا على حدودها مع دول الطوق، وقد قام الجيش الروسي بمناورات عسكرية قريبة من الحدود مع أفغانستان إستعداداً لأية إستفزازات محتملة.

من جهتها، إيران تملك جماعة تحمي مصالحها داخل أفغانستان وقد طلبت من طالبان حماية مصالحها من الداخل الأفغاني، وفي حال لم تستجب طالبان فقد هددت إيران بأنها على استعداد لتحويل أفغانستان الى سوريا ثانية أي الى حرب أهلية مدمرة.
ويكمل أبو صعب “أن ما حصل في أفغانستان هو تفسير لحاجة أميركا لطالبان تماماً كما لإيران من أجل استكمال الخطة لمواجهة الصين، وبالتالي ما حصل في أفغانستان كان تواطؤاً بين الحكم الأفغاني وأميركا، وهذا ما يفسر منع السلاح والمؤن عن الجيش الأفغاني في الفترة الأخيرة خصوصاً في جبهة قندهار حيث مُنع هذا الجيش من استخدام السلاح الجوي ضد الطالبانيين، وكانت الفضيحة المدوية انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان وترك كل السلاح والمعدات الثقيلة والمتطورة بتصرف طالبان، وهذا ما يؤكد أن الخطة واضحة ومحكمة لتمكين طالبان من العودة الى الحكم في أفغانستان.
مما لا شك فيه أن تطورات هذه الأحداث تؤثر بشكل كبير على منطقة الشرق الأوسط،
فالتوتر الدولي الإقليمي سيتأثر ويزيد، وإيران ستكون أكثر تشدداً لأنها أصبحت محاصرة بالمشاكل من الداخل والشرق والغرب، وبالتالي بات وضع إيران صعباً والتشدد يعني المزيد من عرقلة الحلول وهذا ما قد يؤدي الى فشل مفاوضات فيينا، الأمر الذي ألمح إليه رئيس الإستخبارات الأميركية منذ يومين، وبالتالي نحن أمام سقوط قوى إقليمية جديدة مثل إيران على مراحل، وسنشهد أيضاً على زيادة في المنظومات الأمنية الخليجية، وبالتالي سيزداد الإنفاق على القضايا العسكرية والتسلّح، بالإضافة الى تغيير كل الحسابات الإقليمية التي كانت مبنية على قاعدة أن هناك فقط ثلاثية تركية-إيرانية-إسرائيلية تتحكم بالمنطقة، وبالتالي سيتبيّن أن كل هذه الحسابات تعدّلت من بوابة أفغانستان لتركز على المواجهة الكبرى بين الجبارين الأميركي والصيني و بينهما الروسي، مع كل تأثيرات ذلك على الأوراق التي تمتلكها هذه الأقطاب في المنطقة.
وأنهى أبو صعب تحليله بالإشارة الى أن العالم العربي أمام مرحلة جديدة تتطلب توحيداً للاستراتيجيات والإصطفافات الدولية والإقليمية كي لا تذهب محاولات النهوض الأخيرة أدراج الرياح وتُقسم المنطقة العربية والخليجية بين المعسكرين المتحاربين فتتحول الى وقود للمواجهة الكبرى التي بانت معالمها من كابول.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: