من طوفان الأقصى …الى أقاصي طوفان حربٍ إقليميةٍ

war

تقاطعت المعطيات السياسية والديبلوماسية الغربية خلال ال ٧٢ ساعة الماضية في اعتبار أن “طوفان الأقصى” يجري تحويله الى طوفان مضاد سيُشعل المنطقة من العراق الى البحر المتوسط.

من عصر الحلول السلمية الى عصر التصعيد العسكري

المعطيات في هذا المجال كثيرة، وما فشل قمة السلام الأخيرة التي انعقدت في القاهرة بمبادرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الخروج ببيان موحّدٍ سوى مؤشر من بين مؤشرات الى دخول المنطقة عصر انقطاع الحوار وانقطاع التواصل وانقطاع الحلول السلمية أي عصر التصعيد العسكري الكبير .

من الثابت أنه في السياسة، وبخاصة العلاقات الدولية، لا شيء نهائياً ولا شيء قاطعاً، لكن في نظرة موضوعية ما بين سطور ما يحصل، نستطيع استخلاص بعض المؤشرات المؤكَدة والمدعومة ببعض المعلومات.

سقوط قواعد الاتفاقات من ” سايس بيكو الى أوسلو ومواجهة وجودية

  • أولاً : إن ما يجري حالياً في المنطقة، ومنذ ٧ تشرين الأول هو “تحمية” لِما هو آتٍ لأن الذي حصل وللمرة الأولى منذ نشأة دولة إسرائيل هدّد مصير هذا الكيان بكل معنى الكلمة، وبغضّ النظر عن قوة ردة الفعل الإسرائيلية وعنفها إلا أن ما حصل لا شك بأنه ضربَ قدس أقداس الأمن القومي الإميركي والحلفاء الدوليين والإقليميين على حد سواء.
    من هنا، فلا نتوقّع أن تأتي ردة الفعل الإسرائيلية كالمعتاد في السنوات الماضية، أي على مستوى معادلة “مَن يسبق الاآخر في محوه من الوجود”. نعم إن التحدي اليوم في المنطقة والتصعيد الحاصل هو في الواقع سقوط لكل التسويات والمرجعيات السلمية من أوسلو الى مدريد الى مباحثات كامب ديفيد أيام الرئيس بيل كلينتون، وصولاً الى سقوط لعبة الاستثمار الإسرائيلي- الإيراني المتخادم منذ أكثر من عقد من الزمن … ويمكن القول حتى سقوط قواعد “سايكس بيكو”، ومن ثم مقرّرات مؤتمر فرساي للحلفاء في العام ١٩١٩،
    هذه المرة المواجهة وجودية سواء لإسرائيل أو لحماس والجهاد الإسلامي والقسّام في قطاع غزة، وهذه المرة لم يكن الدعم الأميركي- الغربي لإسرائيل دعماً كلاسيكياً وسياسياً وإعلامياً ودعائياً وتسلّحاً، بل كان دعماً عسكرياً مباشراً دلّت وتدل عليه عجقة الأساطيل الأميركية والغربية في البحر المتوسط وقبالة شواطىء إسرائيل وحركة ذهاب وإياب أرفع قادة المعسكر الغربي من الرئيس الأميركي جو بايدن الى سائر رؤساء الدول والحكومات الحليفة والصديقة لإسرائيل، فيما حماس والجهاد يشكوان تخلي إيران وحلفائهما عنهما، وقد بلغ الأمر انتقاد هذا التخلي بوصفه بالخيانة كما ورد على لسان أكثر من مسؤول حمساوي في الساعات الماضية .

تضارب التوقعات حول موعد بدء الاجتياح البري

  • ثانياً : الطوفان الذي أعلنته حماس في قطاع غزة صبيحة السابع من تشرين الحالي لم يُحسن الفلسطينيون أنفسهم استثماره بدليل استمرار الانقسام بين غزة ورام الله، وبين القطاع والضفة رغم بعض التحركات الفلسطينية المحدودة في الضفة في ظل غياب أي انتفاضة لعرب ٤٨ في الداخل الإسرائيلي، فبدل أن يصل الطوفان الى مدن إسرائيل بسيل شعبي جارف يُنهض حمية الشعوب العربية والإسلامية المتعاطفة، بلغ المأزق حدّ مطالبة حماس نفسها بوقف إطلاق النار كشرطٍ لتبادل الأسرى.
    كل هذا يحصل في ظل تضارب التوقعات حول موعد بدء الاجتياح البري الإسرائيلي للقطاع في وقت 70 % من سكان القطاع باتوا مهجّرين، فيما لم يصمد الى الآن سوى 30% في منازلهم .

اقتتال اللبنانيين على جمهورية لم تعد موجودة

  • ثالثاً : القلق كل القلق على الأردن ومصر، فالأردن يواجه ٣ أخطار محدِقة وكبيرة :
    خطر تهجير الضفة الغربية الى الداخل الأردني،
    خطر توغّل إيران بإخوانها المسلمين لزعزعة الأمن والاستقرار الداخلي،
    وخطر تكاثر حملات الكابتاغون والاعتداءات بالمسيّرات من سوريا،
    أما مصر فالخطر الأساسي والكبير الذي تواجهه هو توطين الفلسطينيين في سيناء كبديل عن القطاع المدمّر وانتظار سنوات لإعادة إعمار غزة، ما يعني اعتداءً على أمن مصر القومي واستقرارها وربما جرّها الى … مواجهة مع إسرائيل …
    أما لبنان، فأمامه خطر وجودي يقترب منه شيئًا فشيئاً، هذا النوع من الخطر الذي ستتجلى أبهى تداعياته من خلال:
    ١-: زيادة عدد الفلسطينيين المهجرين اليه من غزة.
    ٢- : زيادة عدد السوريين النازحين اليه .
    ٣- : غياب الدولة وتحلّلها في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية والانهيارات في مختلف المجالات، ما يسهّل على الآخرين استباحته والتقرير عنه والمبادلة به اذا لزم الأمر .
    من هنا فإن رسالتنا الى القوى السيادية والوطنية اللبنانية كافة : الوحدة الوطنية والالتفاف حول الجيش اللبناني والقوى الشرعية اللبنانية، ورسالتنا الى المسيحيين : وضع استراتيجية مواجهة الأخطار المقبلة وكيفية حفظ الدولة من السقوط والتفكّك والانحلال حيث لن يعود ينفع التنافس والاقتتال حول رئاسة لم تعد موجودة لجمهورية لم تعد بدورها موجودة تتقاذفها المصالح الإقليمية والدولية نتيجة عجز اللبنانيين عن إدارة شؤونهم بأنفسهم، علماً أن الدولة اللبنانية مشروع المسيحيين أولاً عبر الزمن والتاريخ، فإن ذهبت الدولة أين يذهب المسيحي ؟
    من هنا، حتمية وضع استراتيجية مواجهة سريعاً تُسقط الحواجز والتنافر من أجل تجنيب لبنان الزوال المحتّم أمام مفاعيل الإعصار المقبل وتداعياته الديموغرافية والجيو سياسية والوطنية، على أبواب تفكّك سوريا وانفجار سلسلة حروب فيها من داخلية الى إقليمية فدولية بحيث لن يعود معروف مَن يقاتل مَن ولماذا وكيف؟

مرحلة حرق الأوراق التفاوضية

  • رابعاً : المنطقة اذاً أمام خرائط “تقطيع ” وإعادة خلط أوراق نفوذ من فلسطين الى العراق، وبدايتها الهجوم في ٧ تشرين الأول، وإيران راعية ” التقية ” تُمسك بخيوط ميليشياتها الإقليميية استعداداً للحظة التي ترى فيها أن مصالحها المباشرة في خطر، لأن غزة وفلسطين ليستا من ضمن مصالحها المباشرة، وبالتالي لا داعي للتدخّل الآن لأمنها لحرق الأوراق التفاوضية، فيما الرئيس جو بايدن وأساطيله وحاملات طائراته الضخمة على أبواب نظام الملالي .
    سوريا انتهت كسوريا والأمور ذاهبة الى أبشع سيناريوهات التمزيق بين التركي والإيراني والروسي، فيما بشار الأسد مختفٍ لا يظهر ولا يتكلم منذ الاعتداء على الكلية الحربية ومقتل ١٥٠ ضابط تلميذ علوي وهو كرئيسٍ لدولة ” التصدي والصمود ” ومواجهة إسرائيل التي يدكّ طيرانها باستمرار مطاراته ومراكز أسياده الإيرانيين وميليشياتهم كما حصل أول من أمس في مطاراته، لم يلقِ ولو خطاباً واحداً دعماً لغزة وطوفان الأقصى الى الآن .

” الموت الكربلائي ” لإيران في المنطقة

المنطقة ظالمة وشعوبها ظالمة، وفي هذه الأجواء حيث كل شعب ينظر الى حاله ووضعه وبلده غير آبه بالشعب الآخر أو الدولة الأخرى تخلق البيئات الحاضنة لقلة التضامن والنفور والتصارع والتمرد والانقلابات الميدانية … والظالمون سرعان ما يضربهم القدر ببعضهم …
الحرب في غزة لن تنتهي الا بعملية برية تنهي حماس بنفس الوقت الذي ينتهي فيه نتانياهو والتطرّف اليميني الإسرائيلي معه، وستمتد العمليات الى شمال مصر ولبنان والأردن وصولاً الى المنطقة الوسطى في سوريا والعراق،
فالولايات المتحدة والغرب وراءها والناتو معهم ليسوا في المنطقة الا لحرب شاملة مقبلة في الشرق الأوسط
لإسقاط النظام الإيراني أو في أقل تقدير لضرب الميليشيات والوكلاء الإقليميين، ومَن وراءهم من طهران الى موسكو الى بكين في الخلفية عندما يحين موعد التدخّل وهو موعد قد لا يكون قريبا كما يتصوره البعض، فهل تتخلى طهران على مراحل عن ميليشياتها أو وكلائها أم تنخرط في المواجهة قاتلة او مقتولة وقد خسرت أوراقها ولم يعد من مجال أمامها سوى
” الموت الكربلائي ” ؟

البوصلة في المنطقة باتجاه حرب إقليمية

النظام الإقليمي بُني منذ خمسين عاماً على تخادم إيراني- إسرائيلي ورقته “القضية الفلسطينية” التي بيعت وأُعيد شراؤها مراراً وتكراراً لإضعاف دول المنطقة ، لكن الآن انتهت مفاعيل تلك الورقة المربحة، وجاءت ساعة تصفية جردات حسابات طويلة بين اللاعبين الإقليميين، وإسرائيل أمام اختبار بين إمرين : إما دخول قطاع غزة وإما حرب إقليمية، ويبدو أن البوصلة تتجه نحو الخيار الثاني.
البعض يرى تلك التطورات قريبة، فيما نحن نراها بعيدة بعض الشيء وهي تقترب كل يوم أكثر فأكثر …
أما الوصول الى نهاية النفق فطويل وسيستغرق الوضع الكثير من الوقت قبل انتهاء الطوفان الإقليمي ومفاعيله المدمِّرة

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: