أطلقت لجنة جبران الوطنية، برعاية وزير الثقافة غسان سلامة، وبالتعاون مع السفارة الهندية في لبنان، اول مجسم ضمن "حديقة العظماء" للمفكر والفنان شاعر الطبيعة والحرية رابندرانات طاغور، بحضور سفير الهند نور رحمن الشيخ وعقيلته وطاقم السفارة، ممثل النائبة ستريدا جعجع النائب السابق جوزيف اسحق، رئيس اتحاد بلديات قضاء بشري ايلي مخلوف، رئيس لجنة جبران الوطنية الدكتور فادي رحمة واعضاء اللجنة، نائب رئيس بلدية بشري غابي طوق، رئيس لجنة جبران السابق جوزيف فنيانوس ومهتمين.
وبعد جولة في ارجاء المتحف والاستماع الى شرح مفصل من مدير المتحف جوزاف جعجع حول فكر ورسومات ورسائل جبران، انتقل الجميع الى ساحة ماري هاسكل حيث استهل الاحتفال بالنشيد الوطني.
ثم عرض مدير المتحف للتقارب بين افكار جبران وطاغور فقال :"حين بارك الحب الأرض: جبران يلتقي طاغور في نيويورك. في ربيع 1921، حضر جبران امسية شعرية لطاغور وتأثر بها بشدة. لم يكن اللقاء بين شاعرين فحسب، بل بين روحين تتعانقان في فضاء المحبة الكونية، فترك هذا اللقاء أثرا عميقا في وجدان جبران الذي استضافه لاحقا في محترفه ورسم صورة له وكتب عليها كلمات تمجد حضوره: رأيته، شعرت أنه إله الحب، جاء ليبارك الأرض بكلماته".
اضاف: ""I saw him - And felt he was the GOD of love, Come to bless the earth with his words. "
بهذه العبارة التي تتجاوز الاعجاب الى حدود التجلي، عبر جبران عن رؤيته لطاغور ككائن نوراني، صوته صلاة وحضوره بركة. لم يكن طاغور بالنسبة لجبران مجرد مفكر فحسب بل كان يجسد رمزا حيا للروح الشرقية في أسمى تحليتها.
واليوم بعد أكثر من قرن، يتجدد هذا اللقاء في متحف جبران في بشري، حيث يستضيف المكان الذي اختاره لراحته الأبدية، ذكرى ذلك التلاقي الروحي بين جدران المتحف وزواياه يعود طيف طاغور ليحاور جبران من جديد وعن قرب، في فضاء يعلو فوق الزمن.
وتابع: "في شهر تموز 2022 تم افتتاح معرض تحت عنوان "جبران يستضيف طاغور"، تجددت هذه اللحظة عبر لوحات وصور لتعرض في متحف جبران كرمز دائم للصداقة الفكرية والروحية بين لبنان والهند كلاهما كان شاعرا ومتصوفا، يرى في الانسان مرآة للكون، وفي الحب طريقا للخلاص.
طاغور تحدث عن الله كرفيق في رحلة الحياة، وجبران خاطب الله كنبض في قلب الانسان رغم أن طاغور كتب بالبنغالية وجبران بالانجليزية والعربية، إلا أن كلماتهما عبرت الحدود وترجمت أعمالهما إلى عشرات اللغات ومنها ترجمات متبادلة بين الهند ولبنان. لقد شكلا معا جسرا بين حضارتين، واثبتا أن الشرق ليس واحدا، بل تنوع يتكامل حين تلتقي الأرواح. لقد كانا صادقين في بحثهما عن الحقيقة المطلقة".
بدوره، قال السفير الهندي: "بعد ان شاركت في المؤتمر العالمي الذي عقد تحت عنوان "ذكرى مرور مئة عام على رسالة جبران خليل جبران العالمية" والذي نظمه معهد الفكر اللبناني في جامعة اللويزة بالتعاون مع لجنة جبران ومؤسسة الارز في بشري، قرأت نصا من كتاب النبي بعنوان "معرفة الذات" باللغتين الهندية والانكليزية، واليوم نحتفل بطاغور الحائز على جائزة نوبل سنة 1913 وهو واحد من مجموعة المفكرين الذين التقاهم جبران في نيويورك".
اضاف: "لقد حمل طاغور كما جبران رسالتهما من لبنان والهند الى العالم، داعيين الى التنوع والتسامح وفهم قيمة الحرية والعدالة، وكانا يتبادلان كامل الاحترام والتقدير. من اجل ذلك ترجم كتاب النبي الى 12 لغة محلية في دولة الهند (الهندي، ماليالم، تاميل، بنغالي واوردو) وغيرها من اللغات المتعارف عليها في الهند، وبات لكتابي النبي والمجنون لجبران تأثير كبير على كل المناقشات والاجتماعات الخاصة بطاغور ايضا. كما كان هناك تأثير من الفلسفة الروحانية الهندية على جبران".
اضاف: "هذا التمثال الموضوع امامنا اليوم في باحة متحف جبران في مدينة بشري، يجسد الصورة التي رسمها جبران لطاغور وتم نقلها لتصبح مجسما فنيا وعنوانا فكريا وربطا ثقافيا بين دولتين صديقتين وعملاقين كبيرين طاغور وجبران".
وختم: "لا بد من شكر الاستاذ فادي رحمة رئيس اللجنة والاستاذ جوزاف جعجع على تعاونهما الدائم وتفانيهما في انجاز هذا العمل. كما اشكر معالي الوزير على رعايته وحضوره هذا الاحتفال".
من جهته، قال رئيس لجنة جبران الوطنية: "شرف لنا ان نستضيفكم اليوم في هذه المناسبة الا وهي ازاحة الستارة عن المجسم الذي يمثل المفكر والفنان رابندرانات طاغور شاعر الطبيعة والحرية الهندي، في حديقة ماري هاسكل في متحف جبران.
وهذا الاحتفال ليس حدثا طارئا اذ انه يجسد العلاقة والتواصل بين اثنين من كبار الشعراء والادباء والمفكرين في اوائل القرن العشرين الا وهما طاغور وجبران اللذان تلاقت طريقهما جسديا في نيويورك ولكن كان بينهما تواصل روحي عميق على الصعيد الثقافي والايماني، لأنهما رجلان مستشرفان بالمستقبل، قادمان من بلادين خاضعتين لوجود اجنبي، وفيهما بعض الفروقات الاجتماعية ويعيش بعض ابناؤها المأسي".
أضاف: "بكتاباتهما تخطيا الجغرافيا وحواجز اللغة وتحدثا بكلام يصلح لكل المجتمعات ولكل الازمنة، حاملين نضالا من اجل حقائق ثابتة كالحرية والعدالة والحب والسلام وبالاخص من اجل الكرامة الانسانية. عملا على انشاء جسور بين الشرق والغرب بين الحضارات المتعددة والديانات المختلفة، ارثهما ورسائلهما ما زالت حية وصالحة ليومنا هذا".
وعن استمرارية فكر جبران حتى عالمنا الحالي، قال: فكر جبران كما فكر طاغور هما ضرورة في القرن الواحد والعشرين اذا اردنا ان نبني السلام ونحمي المجتمعات البشرية.
اضاف: "كما رأيتم في في المتحف رسم جبران طاغور ويصف جبران علاقته مع طاغور بأنها علاقة صداقة، والصداقة في عالم جبران ليست امرا عابرا فقد خصص في كتابه "النبي" فصلا للصداقة اذ كتب فيها: "وفي عذوبة الصداقة تقاسموا الافراح ففي مدى الاشياء الصغيرة يجد القلب صباحه فينتعش".
وتابع: "هذه المناسبة هي حجر اساس في طريقنا الى تحقيق مشروع طالما انتظرناه بعد ان حمله اصدقاء جبران وهو معروف تحت اسم حديقة العظماء الذين مروا في حياة جبران او اثروا في تفكيره، وهذه الفكرة ولدت في خيال رجل خصص حياته لجبران ولهذا المتحف المرحوم الاستاذ وهيب كيروز، ونحن ماضون في تحقيقها ونحمل بالمناسبة شكرنا له ونستذكره كرجل كبير خصص وقتا وطاقة وجهدا لحمل الناس على معرفة جبران ولإنشاء هذا المتحف".
واردف: "سعادة السفير بهذه الهبة، بهذا المجسم، تقومون بشكر للاستاذ وهيب ولفكرته، وانا بدوري اود ان اشكركم باسمي وباسم اعضاء اللجنة وكل اصدقاء جبران ونعلن عن امتناننا لهذا الدعم الذي قدمتموه. ونشكركم شخصيا وفريق السفارة الهندية في بيروت وحكومة دولتكم الصديقة. كما أريد ان اشكر معالي وزير الثقافة غسان سلامة على الوقت الذي امضاه معنا والدعم المستمر الذي نالته لجنة جبران الوطنية خلال وجودكم في الوزارة وقد تجلى ذلك في دعمكم خلال الربيع الماضي. واريد ان اشكرك معالي الوزير على كل الجهود التي تقوم بها لدعم الفن والثقافة في لبنان ليس اليوم فقط بل طوال مسيرتكم الاكاديمية والسياسية".
وختم: "اخيرا اود أن أشكر كل من شارك معنا في هذه اللحظة الجميلة، آملا ان يشكل هذا الاحتفال حجر مدماك اساسيا لفكرة الحديقة، على ان تضم شخصيات اخرى الى مجسم طاغور لكي نجسد وجودا عالميا في هذا المتحف، المكان الذي اختاره جبران لينام فيه بسلام. معكم نحقق اليوم خطوة جديدة لتطوير المتحف ونبدأ معا طريق المئوية الثانية التي يجب ان نؤسس لها ليستمر فكر جبران وتستمر المعرفة حول فكره وفلسفته".
أما وزير الثقافة فألقى كلمة بالانكليزية، شكر فيها رئيس لجنة جبران والسفير الهندي على الافساح في المجال لرعاية هذا التقارب الفكري العالمي والاحتفال بالمناسبة، وقال: "أقول كلمتين بلغتنا الام لأضيف بأن هنالك لغزا جبرانيا لا أدعي امكانية حله، هنالك لغز لهذا الرسام الماهر الذي تحول الى كاتب معروف وانطلق من روحية مشرقية واذ به يلقى صدى في الغرب".
اضاف: "كان الشاعر الانكليزي روديارد كبلينغ يقول "ان الشرق شرق والغرب غرب وهما لا يلتقيان يوما". ولكن الحقيقة ان الغرب عاشق فلسفة طاغور الممزوجة بالشعر وعشق الكتاب النبوي الذي ضم مزيجا من التصوف والشعر والفلسفة التي نراها في نبي جبران .بمعنى انه اذا كان الشرق شرق، والغرب غرب فإنهما يلتقيان عندما يسمعان اللغة التي تعرف كيف تخاطبهما".
وتابع: "نحن فخورون وسنبقى فخورين برجل خرج من هذه البلدة الى العالم الاوسع، فجمع ما اسميته مرة المقدس مع المعولم .جمع المقدس من وادي القديسين من كتاب النبي من التصوف العميق الذي اشتهر به، من اطلاعه ورغبته بالتعرف على الاديان الاخرى، وجمع مع هذا المقدس مع ما هو معولم اي مع ما هو ناكر للحدود الجغرافية او القومية او الاثنية وما شابه. هو معولم قبل ان يكون هناك عولمة وهو مقدس كما كانت القداسة منذ اقدم الأزمنة".
وختم: "هذا هو جبران، هذا هو اللغز الجبراني الذي لم افكه كي يبقى لغزا لنا جميعا، لا نستطيع حله لكننا نتمكن من ان نتمتع كل يوم بوجوده".
وبعد إزاحة الستارة عن المجسم أقيم كوكتيل بالمناسبة
وكان سلامة جال قبل الاحتفال، في دير مار اليشاع الأثري في وادي قاديشا، حيث استقبله النائب السابق إسحاق ممثلا النائبة جعجع، رئيس اتحاد بلديات الجبة إيلي مخلوف، رئيس واعضاء لجنة جبران نائب رئيس بلدية بشري، رئيس الدير الأب جوزيف مسلم والمرشد السياحي جوني نعمة الذي عرض بشكل تفصيلي المراحل التاريخية التي مرت على الوادي واديارها، إضافة إلى المعالم الأثرية الموجودة في المنطقة.
كما استمع سلامة ومستقبلوه الى كلمة ترحيبية من الأب مسلّم وصلى الجميع على مدفن الأب القديس أنطوان طربيه. وقدم مسلم للوزير هدايا تذكارية قبل أن ينتقلوا إلى المتحف.
وكانت كلمة للنائب اسحق على هامش الزيارة، رحب فيها بوزير الثقافة في ربوع الوادي المقدس، مؤكدا أن "الزيارة تكتسب أهمية كبرى بالنسبة للأهالي وتشكل دعما لمسيرة النهوض التي بدأت وللمشاريع التي تقوم بها النائبة ستريدا جعجع من أجل مساعدة الناس على التجذر بأرضهم، مع ضرورة الحفاظ على تراث الوادي وقدسيته".