اختار "تجمّع الصحافة الفرنكوفونية" في لبنان موضوعاً دقيقاً لتدشين نشاطاته، يتمحور حول قضية التضليل الإعلامي وانتشار الأخبار الكاذبة، في ندوة نُظّمت بالتعاون مع جامعة القديس يوسف في بيروت، وجمعت عدداً كبيراً من العاملين في الحقل الإعلامي لمناقشة هذه الإشكالية وتداعياتها على المجتمع والديمقراطية.
في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والتطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والتزييف، ما يضع الإعلاميين أمام مسؤولية مضاعفة في تصويب الصورة. غير أن المشاركين في الندوة شدّدوا أيضاً على أهمية دور الأفراد في استخدام التفكير النقدي وعدم الانجرار خلف كل ما يتم تداوله.
الأمينة العامة للتجمّع العالمي للصحافة الفرنكوفونية، زارا نازاريان، لفتت إلى أن مصداقية الصحافيين باتت مهددة، محذّرة من أن الأخبار الكاذبة تسهم في تعميق الانقسامات وتهديد ركائز الديمقراطية. وأشارت إلى أن هذه الظاهرة تزايدت في المنطقة العربية منذ "الربيع العربي"، حيث تحولت منصات التواصل إلى مساحات خصبة لنشر معلومات غير مؤكدة، غالباً ما تُستخدم لخدمة أجندات سياسية أو اقتصادية.
وفي مداخلتها، حذّرت د. رولا دوغلاس، رئيسة التجمع في لبنان، من أن فئات معينة من المجتمع، خصوصاً المتأثرين بالحروب أو الأزمات، أكثر عرضة للوقوع ضحية التضليل الإعلامي. وأكدت أن التأثيرات لا تقتصر على المعلومات فقط، بل تتعداها لتشمل زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19، حيث عرقلت المعلومات المضللة جهود إدارة الأزمة.
من جهته، عبّر الصحافي أنطوني سمراني عن تشاؤمه حيال إمكانية السيطرة على تفشي الأخبار الكاذبة، معتبراً أن المعركة ضدها قد تكون خاسرة في ظل تسارع تقنيات الذكاء الاصطناعي. لكنه شدد في الوقت نفسه على أهمية عدم الاستسلام، داعياً إلى تعزيز أدوات التحقق من المعلومات (fact-checking) والاعتماد على مصادر موثوقة ومقارنة الروايات قبل النشر. وأضاف: "لا يجب التضحية بالدقة من أجل السرعة، ولا بالنوعية لصالح الكمية".
وأكد المشاركون في الندوة أن مواجهة التضليل الإعلامي تتطلب جهوداً جماعية تشمل الإعلاميين والمؤسسات التربوية والمجتمع، إلى جانب تطوير المهارات الرقمية ورفع مستوى التوعية.
كما أعلنت دوغلاس أن من أبرز أهداف "تجمّع الصحافة الفرنكوفونية" في لبنان، دعم حرية الصحافة، ترسيخ أخلاقيات المهنة، تعزيز اللغة الفرنسية في الإعلام، وتوفير مساحة للتدريب والتبادل المهني، مع التشديد على أهمية الانفتاح على الصحافيين العاملين في الإعلام العربي والإنجليزي.