32 عاماً مضت على خروج الحالة العونية الى العلن بعدما راح يُمهَّد لها عملياً منذ إستبدال قائد الجيش التاريخي العماد إبراهيم طنوس بالعقيد ميشال عون في عهد الرئيس امين الجميل عام 1984 – وفي خضم إنفتاحه على دمشق – حيث رقي عون بشكل إستثنائي رغم انه كان عقيداً ووصولاً الى كتاب “الجيش هو الحل” للعميد الركن فؤاد عون عام 1988.
أثبتت السنوات أن “العونية” حالة مرضية ديماغوجية قائمة على شعارات شعبوية و”تأليه الزعيم” وتسخير كل شيء وإن إقتضى الامر تحطيم كل شيء في سبيله. حالة تمتلك من القوة قول الشيء ونقيضه وقدرة الزعيم على الانحراف في لحظة 180 درجة دون ان يرفّ له جفن لثقته بولاء جمهوره وغياب المساءلة الداخلية.
بالامس تجلّت هذه الحالة بـ”أبهى حللها” “الشنيعة” في إستوديو برنامج “صار الوقت” في الـmtv حيث “الهستيريا” عونية لم تقتصر على جمهور سقط بجرعات زائدة من الانكار، إنكار فشل عهد ميشال عون وتجربة “التيار” بالسلطة، إنكار الانقلاب على المواقف من بري “بلطجي” على سبيل المثال الى حليف في الانتخابات النيابية والنقابية أو “بدي كسر راس حافظ الاسد” الى حليف لبشار أو “لا بندقية تعلو فوق سلاح الجيش اللبناني” الى التبجح بسلاح “حزب الله” ومسيراته أو “الابراء المستحيل” الى “التعاون والتنسيق” مع سعد الحريري .
إذ شملت “الهستيريا” أيضاً من يفترض به ان يكون القدوة لهذا الجمهور اي النائب العوني في الاستوديو شربل مارون الذي تخطى كل حدود النقاش السياسي والاستفزاز والمزايدة الى حدّ تخوين زميل له بوطنيته هو النائب وضاح الصادق حين قال له “إنت كنت بل 1989 عم تفتش عن اي نشيد وطني بدك تحفظ”.
إن جبران باسيل في العام 2022 يستنسخ نهج ميشال عون في العام 1988، لكن فاته أن “كذبة” أسطورة ميشال عون تحطمت خلال تجربته في الحكم حيث عرّاه عهده من هالة البطل التاريخي الاستثنائي وأظهر ذيف شعاراته وإدعاءاته و”الاصلاح والتغيير”. لذا “البلطجة” المباشرة عبر الهواء كشفت:
1- عمق واقع “التيار العوني المأزوم بعد فشل عهده وخروج عون من بعبدا خالي الوفاض من أي إنجازات تذكر إلا الوهمية أو السلبية منها.
2- حقيقة “الحالة المرضية” التي يجسدها عبر تأليه الزعيم والفوقية في الخطاب و”العدائية” لكل آخر مختلف والتي تأكد انها لا تقتصر على “القوات اللبنانية” التي لم تكن حاضرة في الحلقة أصلاً. فإشتبك الجمهور العوني مع جمهور قريب من “المستقبل” و”17 تشرين ومستقلين
.3- بحث باسيل وتياره عن إفتعال إشكالات ميدانية من أجل شد عصب جمهوره وتبديد الصورة التي عكستها صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية والطالبية عن حقيقة التراجع الشعبي الكبير للعونيين من جهة ومحاولة وضع جميع الاطراف السياسية في خانة الدرك الذي يعيشه “التيار” للقول “كلنا يعني كلنا” بلطجية فلا أحد يعكس رقياً في التعاطي او يرنو الى تقديم نموذج عن رجال الدولة. من يدري ربما يتوهم باسيل أن إفتعال الاشكالات في زمن الفراغ والدفع نحو الفوضى قد يعبّد طريقه الى قصر بعبدا، ربما من يدري فلا احد يملك القدرة على تحليل الفكر العوني الخارج عن أي مألوف.
كما إفتعل عون حوادث متكررة عامي 1988 و 1989 لإشعال “حرب الالغاء”، ها هون باسيل يكرّر التجربة في العام 2022 عبر فبركة مجموعات كـ”الحرس القديم” او “القوات الخاصة” والاصرار على تسريب صور لمسلحي “التيار” أو عبر إفتعال إشكالات على الارض كإطلاق النار على جنازة امام مقرّ “ميرنا الشالوحي”. حتى الساعة نجحت “القوات اللبنانية” ورئيسها سمير جعجع بعدم الوقوع في الفخ وتمكنت من ضبط قواعدها ومنعهم من الوقوع ضحية الاستفزازات المتعمدة عشية مغادرة عون قصر بعبدا. كما إستشعرت مصلحة الطلاب في “القوات” حدّة التشنج في الحلقة الاخيرة لـ”صار الوقت” الاحد الماضي، فإختارت بحكمة عدم المشاركة. هذا الوعي مطلوب من كافة الاطراف السياسية بما فيها وسائل الاعلام لان “الهستيريا” العونية تنتهك حتى حرمة “التعبير عن الرأي”.