هل تعود الاغتيالات في العراق ولبنان ؟

22208Image1-1180x677_d

مَن يراقب التطورات الأخيرة في كل من العراق ولبنان لا بد وأن يذهب في إحدى استنتاجاته الى إمكانية كبيرة لعودة مسلسل الاغتيالات في كلي البلدين .
ففي نظرة شاملة أولية، كلا البلدين يواجهان مأزقاً سياسياً بغياب الثقة بين المكونات التي يتألف منها المشهدين اللبناني والعراقي، كما أنه في كلي البلدين سيطرةٌ إيرانية عبر أحزاب ومنضمات بلغ عددها في العراق 44 حزباً وتنظيماً، وفي لبنان حزب الله الممسك ليس فقط بمفاصل الدولة بل وأيضاً بكل حلفائه على غرار "إطار تنسيقي" لبناني شبيه بالإطار التنسيقي العراقي.
في لبنان أكثرية نيابية رافضة لإيران تهدد في ما لو توحدت أكثريات حزب الله وحلفائه، وفي العراق أكثرية معاكسة إيرانية حلّت محل نواب التيار الصدري المستقيلين.
في لبنان تستطيع المعارضة لإيران ولحزب الله وحلفائهما تعطيل جلسة انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة، وفي العراق تستطيع الكتلة الصدرية مع حلفائها تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة مواليين لإيران.
في لبنان، تعتمد ايران على حزب الله في إدارة الملف الداخلي بالحسنة بداية والديبلوماسية ومن ثم بالعنف، وأبرز أدواته القتل والاغتيال، أما في العراق فإن ما حصل مجرد تهدئة وهناك تغيير في الاستراتيجية الإيرانية أذ تعلم أيران أن قمع التيار الصدري بالقوة مكلف جداً، وقد كان ممثل السفارة الإيرانية في بغداد من بين الذين عارضوا مهاجمة مراكز التيار الصدري ضمن خطة هجومية كانت تُبحث في بغداد بين ممثلين عن فصائل إيران وممثل عن حزب الله اللبناني وممثل عن السفارة الإيرانية والحرس الثوري في شهر آب الماضي.

في لبنان، اذا تعذّر على حزب الله تأمين النصاب المطلوب لإيصال رئيس للجمهورية وكسر حلقة الفراغ لصالحه، فإن كل الحسابات عندها تصبح متاحة بما فيها أعمال القتل والاغتيالات لتعديل موازين القوى البرلمانية وإضعاف المعارضة: فمَن يقتل رفيق الحريري ورفاقه وقافلة شهداء 14 آذار ليس غريباً عليه أن يمارس نفس الأساليب وفي وضح النهار اذا اقتضى الأمر من دون خجل أو وجل.

في العراق حالياً إستراحة المحاربين، فالوضع متوتر جداً ومَن يتابع التصاريح والمواقف اليومية الصادرة عن كل المكونات العراقية يدرك بما لا شك فيه أمرين أساسيين :

الأول أن الوجود الإيراني في العراق بات محور الأزمة، وهذا عنصر جديد طرأ على الساحة العراقية بهذه القوة والتصميم والإصرار، وهو إن دل ذلك على شيء فعلى مؤشرات بقرب تراجع الدور الإيراني في المنطقة وصولاً الى لبنان.
التيار الصدري يطالب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بمواجهة نفوذ الميليشيات المواجهة لإيران، فيما صحيفة الشرق الأوسط تشير الى أن الهدوء الحالي في العراق هو مجرد مساحة لتنظيم الصفوف قبل عودة الصدامات.

الثاني أن الانتفاضة الصدرية عرّت كل القوى الموالية لإيران في العراق، وقد باتت تلك القوى أمام خيار من إثنين : التسليم بانتخابات مبكرة أو الذهاب الى المجهول.

في لبنان تختصر المعادلة بالآتي : الاستحقاق الرئاسي المقبل هو المعيار الأساسي لبدء خروج لبنان من السيطرة الإيرانية ومن سطوة الحزب على القرار والمؤسسات ومفاصل الدولة، علماً، ولنكن واضحين، أن انتخاب رئيس جمهورية سيادي وتغييري لن يعني أبداً انقلاب المشهد اللبناني بين ليلة وضحاها من السيء الى الأفضل، لكن ننظر الى انتخاب رئيس من منظار وضع حجر أساس أولي على طريق التغيير والإصلاح واستعادة السيادة.

حتى الآن ومن خلال المتابعة الحثيثة للمساعي والاتصالات واللقاءات والتصاريح والمواقف، يبدو أن حظوظ فقدان جلسة انتخاب الرئيس النصاب أكبر من حظوظ التوافق على شخص، سواء داخل الصف السيادي والتغييري أو بين شطري البلد، وبالتالي فإن القدرة على المنع قد تغلب القدرة على إيصال رئيس جديد معاكس لتوجهات إيران وحلفائها في لبنان.

في العراق، وفي المعلومات أن الميليشيات والفصائل الموالية لإيران هناك تلقت توجيهات من طهران بضرورة التهدئة في هذه المرحلة لأسباب إيرانية عدة، منها ما يتعلق بسير المفاوضات النهائية حول ملفها النووي مع الأميركيين والأوروبيين حيث لا ترغب طهران حالياً في خربطة أو التشويش على قرب التوقيع بأي عمل استفزازي يعيق المسار التفاوضي، لكن كما حصل في انتفاضة تشرين العراقية سُجّلت مئات عمليات القنص والقتل والخطف من قبل فصائل إيران ضد المنتفضين، ما يشير بوضوح الى اعتماد هذا النهج كلما حصل تهديد مباشر وحقيقي للوجود الإيراني في العراق أو تعالت المطالبات بإيران "برا برا ".

إيران لن تحكم … هذا ما اتفق عليه التشرينيون ( نسبة الى انتفاضة تشرين العراقية ) والتيار الصدري وحلفائه … وبالأمس حصلت مظاهرات في بغداد للتشرينيين رفعوا خلالها شعار إيران لن تحكم، وهذا يُعتبر نقطة تلاقٍ مباشر مع الصدريين في تحقيق هذا الهدف، رغم اعتبار التشرينيين أن التيار هو من ضمن منظومة السلطة والحكم …

والمفارقة هنا بالمقارنة بين انتفاضة تشرين العراقية وانتفاضة تشرين اللبنانية عام 2019 أنه، في الأولى فهم العراقيون أن أي تغيير أو إصلاح أو إنقاذ في العراق لا يمكن أن يحصلوا ما لم يتم الانتهاء من السبب الرئيسي، الا وهو الاحتلال الإيراني للعراق ونفوذ إيران الكبير فيه فيه، فاتفق المنتفضون في تشرين العراقية على المطالبة بإيران "برا برا" بينما في لبنان انقسم التشرينيون بين من يعتبر الأولوية اقتصادية إصلاحية ولو بقي التأثير الإيراني على مفاصل الدولة، وبين مَن اعتبر أن باب أي إصلاح أو تغيير يبدأ بإنهاء سطوة إيران عبر حزب الله وسلاحه على الدولة اللبنانية، وهي السطوة التي غطت عمليات الفساد والمحاصصات والتسويات طوال عهد الرئيس ميشال عون بالتحديد.

في العراق وبعد انتفاضة تشرين، تحوّل الدور الإيراني من التأثير على بعض الساسة العراقيين الى السيطرة الأمنية والاستخباراتية الكاملة شبه المباشرة، وفي لبنان ومنذ بداية عهد الرئيس ميشال عون أصبح تأثير حزب الله شبه كامل على مفاصل الدولة فبات له قضاء موالٍ ووزراء موالون وكتل نيابية موالية وأجهزة أمنية موالية ومرافق عامة محسوبة عليه … وجاءت انتفاضة تشرين اللبنانية عام 2019 لتقلق حلفاء إيران في لبنان قليلاً والى حين، بعدما انفرط عقد المنتفضين وتعددت أجنداتهم الداخلية واختلفت أولوياتهم.

المرحلة الحالية، سواء في العراق أو في لبنان صعبة ومحفوفة بالمخاطر لأن في كلي البلدين الثقة مفقودة بين أنصار إيران والمعارضين لهم، ولأن المنطقة في لحظة تقرير مصير ومستقبل حرجة تفرض نوعاً من صراع من أجل الوجود والبقاء بين مختلف الأفرقاء، فالقرار بيد طهران في البلدين : إما التصعيد وبالتالي سقوط البلدين في دوامات المواجهة والدم، وإما التراجع الإيراني والإيعاز لميليشيات إيران بالتراجع والقبول بصيغ حلول ولو مرحلية.

المشكلة مع الإيرانيين والحرس الثوري والميليشيات التابعة لهم أنهم يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر، وقد تلجأ طهران الى محاولة ضرب التيار الصدري بالاغتيالات بدءاً من استهداف مقتدى الصدر نفسه، فضلاً عن مواجهة التيار عسكرياً وبالقوة من قبل العصائب والميليشيات التابعة لإيران في العراق، وقد أتت السوابق خير دليل على هذا النهج العنفي حيث وصل الحال بإيران الى الإيعاز لميليشياتها بقصف أربيل قبل بضعة أشهر، وكذلك قصف إقليم كردستان بالصواريخ عندما شعر الإيرانيون بخروج الأمر عن بعض سيطرتهم …

نفس السيناريو ممكن توقعه في لبنان اذا رات إيران أنها لم تعد قادرة على السيطرة الكاملة على القرار اللبناني، فهي تمتلك فضلاً عن سلاح الترهيب والترغيب والقتل والاغتيال والخطف، سلاح المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية وسلاح تفاوض فيينا حول ملفها النووي، وكلها أسلحة تحسن إدارتها الى الآن مستغلة غل الأميركيين والأوروبيين الى توقيع الاتفاق، تاركين فتيل أسباب اندلاع المواجهات الإقليمية من برنامج صواريخ باليستية ومسيّرات وميليشيات على عاتق كل بلد من دول المنطقة وفي طليعتهم إسرائيل على نار حامية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: