مما لاشك فيه أن الوضع المتدهور في تايوان بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها يأخذ منحى دراماتيكياً يوماً بعد يوم، في وقت يقوم فيه وفد من الكونغرس الأميركي بزيارة "تايبيه " إستكمالاً لاستفزاز نانسي بيلوسي للصينيين في خلال زيارتها الأخيرة.منذ يومين، أُعلن عن مناورات عسكرية مشتركة أميركية- تايوانية ستحصل في مضيق الجزيرة في وقت لا تزال فيه الصين تُبرز من خلال المناورات والعراضات العسكرية الضخمة قوتها رداً على الإستفزاز الأميركي والتايواني كما تقول بيجين.السؤال المطروح : الى أين يمكن أن يصل تصاعد التوتر في تايوان ومحيطها ؟الإجابة على هذ السؤال تفترض وجود إرادة واضحة بالمواجهة بين الجبارين الأميركي والصيني، الأمر الذي لا يبدو حتى الساعة موجوداً .
وهنا نتوقف عند بعض المعطيات وفق الآتي :
أولاً : منذ سنوات وواشنطن تعتبر الصين العدو الأول للولايات المتحدة الأميركية أكثر من روسيا، وقد حفل الخطاب السياسي الأميركي بالبيانات والمواقف المتشددة ضد بيجين من أيام الرئيس دونالد ترامب مع وصف فيروس كوفيد 19 بالفيروس الصيني، وصولاً الى الرئيس جو بايدن الذي ومن ضمن حملته الإنتخابية توعّد وهدّد الصين الى حد شيطنتها، واصفاً إياها بالوحش الذي يهدّد التكنولوجيا الأميركية بالإضافة الى الجيش الأميركي من خلال سرقة التقنيات والأساليب الأميركية، فضلاً عن تقرّب الصين من حلفاء واشنطن في المنطقة كما هو الحال مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، بحسب صحيفة ذي غارديان البريطانية ووسائل الإعلام الأميركية التي بدأت في اليومين الأخيرين تتحدث عن زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية كموقع سي ان بي سي وغيرها.لكن الفاصل الذي أدخل بعضاً من الغموض كان ما حصل أثناء المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين الأميركي والصيني عشية زيارة نانسي بيلوسي لتايوان حيث، وبحسب وول ستريت جورنال، لاحظ مساعدو الرئيس الأميركي جور بايدن الحاضرون أثناء المكالمة باستغراب أن الصين ليست مستعدة للدخول في حرب، وقد قال الرئيس الصيني حرفياً لنظيره الأميركي بإن الوقت الآن ليس وقت أزمات، الأمر الذي شجع الأميركيين على المضي في زيارة بيلوسي حيث إعتبر كلام الزعيم الصيني تشي بمثابة رسالة كافية تضمن عدم تحرك الصين عسكرياً ضد تايوان أو قيامها بأي ردة فعل عسكرية تؤدي الى تصادم صيني - أميركي .وفي السياق ومن بين أسرار زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي بيلوسي لتايوان أنها إصطحبت معها إبنها بول بيلوسي، وهو رجل أعمال تُقدّر ثروته ب 22 مليون دولار، وكان شريكاً مساهماً في شركة صينية بإسم " بوراكس " مختصة بالإتصالات فأقدم قبل زيارة والدته الى تايوان على بيع غالبية أسهمه في الشركة الصينية محتفظاً بعدد ضئيل من الأسهم قبل الانضمام الى الوفد المرافق لبيلوسي، مع أنه لم يكن إسمه مدرجاً على لائحة الوفد الرسمي لوالدته.قامت بيجين كما كان متوقعا بفرض عقوبات على بيلوسي وعائلتها ومن ضمنهم إبنها بول، ما حدا بنانسي بيلوسي الى تسويق إبنها لدى التايوانيين لتمكينه من الإستثمار في الجزيرة كثمن شخصي لدعمها تايوان ومخاطرتها في زيارة الجزيرة رغم التهديد الصيني .
ثانياً : ما ان تمت زيارة بيلوسي لتايوان حتى انفجر الغضب الصيني وقامت بيجين بمناورات ضخمة، مطلِقةً 11 صاروخ باليستي فوق تايوان سقطت في المياه الإقتصادية اليابانية، وقد وصفت وكالة سي بي اس نيوز الغضب الصيني بالعنيف والخطير وغير المسبوق .لكن سرعان ما تبيّن أن كل هذا السيناريو لم يغمض جفن للأميركيين وقد نقل موقع " بوليتيكو " إطمئنان وزارة الدفاع الأميركية ( البنتاغون) الى عدم إنجرار الصين الى حرب لكون بيجين غير مستعدة لها لسنتين على الأقل من الآن، وما المناورات وردة الفعل العنيفة الا لتوجيه رسالة للداخل الصيني بأن الصين قوية وتستطيع الزود عن وحدة أراضيها والتصدي لأي اعتداء على سيادتها عشية انتخابات يخوضها الزعيم الصيني لتجديد رئاسته للمجلس المركزي للحزب الشيوعي الصيني في شهر تشرين الثاني المقبل، وبالتالي ما قامت وتقوم به الصين في محيط تايوان ليس معدّاً للخارج وبالأخص لواشنطن وحلفائها في المنطقة.هذا مع العلم أن الصين فرضت على تايوان عقوبات إثر زيارة بيلوسي ليس أقلها وقف تصدير الرمل والسمك والحمضيات الصينية الى تايوان الا أن صحيفة نيويورك تايمز اكدت أن تلك العقوبات موقتة وبأن الصين ستُضطر بعد شهرين الى التراجع عنها، وبخاصة تلك المتعلقة بالتوقف عن تصدير الرملة لصناعة الرقائق الإلكترونية، الأمر الذي لن يعود معه بمقدور تايبيه تصنيع الرقائق التي تحتاجها الصين بدورها.من هنا جاءت تقديرات الجيش الأميركي والمخابرات الأميركية لتصب كلها في خانة التقليل من خطورة المناورات الصينية ومدى العقوبات المفروضة على تايوان، وصولاً الى استبعاد أي صدام عسكري مع بيجين .
ثالثاً : في إطار قمة العشرين التي ستُعقد في أندونيسيا في شهر تشرين الثاني المقبل سوف يلتقي الرئيس الأميركي بنظيره الصيني الذي سيخرج لأول مرة في زيارة آسيوية منذ اندلاع أزمة الكوفيد 19، وهذا القاء المتوقع لا بد من أن يرخي بظلاله على التوتر الحاصل في موضوع تايوان، ما يساهم في استبعاد أي نزاع عسكري مع الجزيرة وحليفتها الأولى الولايات المتحدة الأميركية.وزير خارجية تايوان شكر الأميركيين لوقوفهم الى جانب الجزيرة ولدعمها السياسي والعسكري خصوصاً بعد توقيع إتفاقية توريد صواريخ باتريوت للجزيرة بحسب موقع " اجيا تايمز " في خطوات إستفزازية إضافية للصين بما بات يهدد هيبة التنين الصيني الذي يبدو أن واشنطن نجحت الى الآن في ضربها في عقر دارها أي منطقة نفوذها.
رابعاً : في إطار دراسة مراكز القرار الأميركي ولا سيما العسكري منها لسيناريو حرب محتمل مع الصين، تشكلت في واشنطن خلية باحثين عسكريين من رتب وأصحاب خبرة وحملة شهادات جامعية عليا وخبرات استراتيجية عسكرية عالية وخبيرة حيث وبحسب موقع " ميليتاري تايمز " وضعت سيناريو الحرب ودرست تكاليفها ومدتها وكافة تفاصيلها في ضوء إمكانات الجيشين الصيني والأميركي الحالية، ومع استخدام أحدث الترسانات العسكرية والتسليح لديهما.بالتزامن نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريراً تقول بموجبه إن الصين تعلمت من حرب أوكرانيا بأن أي حرب يجب أن تكون سريعة وخاطفة ولا تستغرق أكثر من 3 أيام منعاً للوقوع في حرب استنزاف كما هو حال الجيش الروسي راهناً في أوكرانيا ومنعاً لدعم الغرب لتايوان .الا أن الخبراء يجمعون على أن حرب تايوان لن يكون بالإمكان حسمها في 3 أيام إنما في 3 أسابيع كحد ادنى.كذلك اعتبر الخبراء أن الحرب اذا اندلعت ستكون القوات البرية هي الأساس فيها لا القوات البحرية ولا القوات الجوية، وسيكون الجيش التايواني في مواجهة الجيش الصيني.وبسحب الخبراء ستتكبد القوات الأميركية البحرية ولا سيما حاملات الطائرات والبوارج الحربية خسائر فادحة، كما سيكون بإمكان القوات الصينية العبور عبر المضيق التايواني لضرب الموانىء والدخول اليها، فيما اليابان ستتورط في القتال الى جانب تايوان والأميركيين وسترسل جيشها منذ اليوم الأول .الفيليبين أيضاً ومنذ اليوم الأول ستفتح قواعدها كافة أمام الأميركيين .وبحسب الخبراء سيصل الجيش الصيني الى مرحلة لا يعود بامكانه التقدم براً أكثر والتوغل داخل تايوان أكثر، بينما يضرب الأميركيون قوات الدعم الصيني .المهم بحسب الخبراء أنه لن يتم إستخدام السلاح النووي والسلاح الكيمائي، ما سيؤدي الى كسب واشنطن للحرب رغم الخسائر الفادحة التي ستُمنى بها وتنهزم الصين عسكرياً.
وانطلاقاً من مجمل هذه الملاحظات والخطط وفي اللحظة التي تُكتب فيها هذه السطور، يمكن القول إن سيناريو مواجهة عسكرية صينية- تايوانية- أميركية مستبعد جداً رغم جهوزية القيادة العسكرية والمخابراتية الأميركية لكل الاحتمالات، وعلينا انتظار ما يمكن أن يحصل في اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي والصيني في أندونيسيا على هامش قمة العشرين المقبلة.