عوامل عدة إختلفت في السباق الى بعبدا بين عامي 2018 و2022 وخلط أوراق حاد إنعكس تعقيداً في مشهدية توزيع القوى داخل مجلس النواب جراء حراك “17 تشرين” وتعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي وصعود “القوات اللبنانية” في صناديق الاقتراع مقابل التقهقر التدريجي لظاهرة “التسونامي” العوني، مما جعل التردّد بإعلان خوض معركة رئاسة الجمهورية رسمياً سيد الموقف لدى المرشحين الطبيعيين كسمير جعجع وجبران باسيل وسليمان فرنجية وحتى لدى المرشحين الجديين امثال زياد بارود وميشال معوض ونعمت إفرام أو قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يتطلب وصوله تعديلاً دستورياً.
فمع إقتراب إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون – وحدُّها الاقصى في 31/10/2022 – يقترب خليفته في “ميرنا الشالوحي” “صهر العهد” النائب جبران باسيل أكثر فأكثر من حقيقة شبه إستحالة خلافته في بعبدا. هو يدرك جيداً ان الكلمة الفصل داخل قوى “الممانعة” بينه وبين فرنجية هي لـ”الحزب”.
في موقف كلامي قائم على “المكابرة”، يدعي باسيل في حديث لصحيفة “النهار” منشور في 24/9/2022 أن السيد نصرالله لن يطلب منه التصويت لفرنجية و”يعلم أنه لا يستطيع أن “يمون عليّ” بما لا يقتنع به. مع التذكير أن نصرالله مان وجمع باسيل وفرنجية عشية الانتخابات النيابية الاخيرة رغم التجريح الشخصي بينهما والاتهامات بالفساد والسرقة والفشل. إلا ان باسيل ترك مخرجاً له للتنصل من مكابرته بقوله: “هذا ليس موقفاً مبدئياً، وإذا رأيت أن في ذلك مصلحة للبلد، فلا شيء شخصيّ في الموضوع”.
من “المكابرة” الى “المفاخرة”، يقول باسيل: ” نحن لدينا الجرأة عندما نقوم بمشكل نفعله. وعندما نريد رئيساً للجمهورية نقول إننا نريد رئيساً للجمهورية ونعمل فراغاً في البلد لسنتين ونصف سنة ولا نخجل”. يفاخر باسيل بالتعطيل إلا أن ثمة حقيقة أنه لولا رضى “الحزب” وربما توجيهاته بإنتظار التوقيت الذي يناسبه لما نجح التعطيل في إعطاء العونيين الثمار التي يبغيها.
اليوم، وفي ظل الانهيار القائم في البلاد، تداعيات أي تعطيل طويل الامد أكثر قساوة حتى على بيئة “الحزب”. أنه يعني عملياً القضاء على ما تبقى من مقومات المؤسسات في الدولة وتخطي محطة الانتخابات الرئاسية الى فراغ لا يملؤه الا إعادة نظر جزئية كما “الدوحة” أو كلية كما “الطائف” بالنظام. إلا ان ذلك كان يتطلب دوماً فاتورة دموية وحاضنة دولية. إن كان قرار تسديد الفاتورة داخلياً فقرار خلق الحاضنة خارجياً والمناخات الدولية في ظل الصراعات المستجدات وآخرها في الحرب الروسية على أوكرانيا لا توحي بذلك.
في جردته على المرشحين الرئاسيين المفترضين عبر مقابلة “النهار”، قطع باسيل الطريق بطبيعة الحال على ميشال معوض ونعمة إفرام بقوله “لا أؤيدهما لأنني اختبرتهما. هناك كثير من الناس، وهما منهم، لديهم مواصفاتهم الجيدة، لكنني اعتبر أن هناك مسائل مرتبطة بأخلاقيات العمل السياسي، وهذه علامات ساقطة”. كما تهرّب من إعطاء موقف من ترشيح العماد عون عبر التذكير بحاجته الى تعديل دستوري مع التذكير انهم من الافرقاء الذين وافقوا بعد الدوحة الى تعديل الدستور لإيصال قائد الجيش يومها ميشال سليمان. كذلك، لا أحد ينتظر أن يبادل باسيل جعجع دعمه ترشيح عمه العماد ميشال عون، وتهشيمه لصورته أمر معتاد.
إلا ان ما يستحق التوقف عنده في مقابلة “النهار” هو قول باسيل عن إسم الوزير السابق زياد بارود: “أعتبر أن لديه – غير الكثير من المحبة الشخصية التي أكنّها له – الكثير من المواصفات الجيدة”.
قد يكون بارود “رصاصة الرحمة” التي يطلقها باسيل على باقي المرشحين متى تأكد من إنعدام حظوظه بالفوز، وربما ما يعزز ذلك إدراكه لنظرة “الحزب” والفرنسيين له، إذ:
* “الحزب” تكبّد خسائر كبيرة جراء إيصاله عون المحسوب عليه بالمباشر وهو تحمّل تبعات فشل عهده، فيما السير بشخصية كبارود يعفي “الحزب” من المسؤولية المباشرة وبالتالي تحمّل تبعات عهده و”يبيع” موافقته للفرنسيين. الاهم هو انه مطمئن ان بارود لا يعيق مصالحه، إذ إن تجربة الاخير الوزارية خير دليل كما أن تصاريحه الملتفة على اعطاء اي موقف واضح وجازم من مسائل سلاح “الحزب” وهيمنته على قرار الحرب والسلام وعلى السياسات الخارجية عامل مطمئن. كذلك ان بارود قد يكون مخرجاً للحزب من ثنائية فرنجية – باسيل الرئاسية.
* الفرنسيون يروجون لبارود الذي تربطهم به علاقات جيدة تحت شعار انه خارج الاصطفافات ووجه يحمل في مسيرته مقومات “المجتمع المدني” ولديه الخبرة القانونية التي يحتاجها لبنان في هذه المرحلة. كما يعتقدون انه يمكن تسويقه في اوساط “النواب الـ13” والنواب المستقلين والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
* إذا ما خيّر بين فرنجية وبارود، فباسيل يختار حكماً بارود. ففي سلالة الرؤساء هناك الزعماء ككميل شمعون وسليمان فرنجية الجد وهناك من يغلب عليهم الاطار الاداري كشارل الحلو والياس سركيس. فعلى عكس فرنجية لا يشكل بارود منافساً لباسيل على الزعامة ويستطيع الاخير ان يفرض شروطه عليه بسلاسة وأن يحقق معه مكاسب كبيرة في التعيينات. كما ان باسيل الذي يخوض عمليات فصل لمعارضيه داخل تياره، يبقى بارود أخف وطأة وخطر عليه من وصول نواب عونيين لهم وزنهم ورمزيتهم داخل “التيار” كابراهيم كنعان والآن عون. كذلك، إختبر باسيل بارود كما اختبر معوض وإفرام غير ان بارود رغم رسوبه في انتخابات 2018 على لوائح “التيار” ورغم “17 تشرين”، لم يستهدف العهد لا بل تواصل مع “التيار” عشية انتخابات 2022 في إطار درس تحالفاته قبل ان ينسحب من المعركة.
فهل يكون “غزل” باسيل ببارود عاملاً مساعداً في حال سار “الحزب” فيه أم “نيران صديقة” تذكّر انه كان من الطبقة السياسية كوزير وكمرشح للنيابة على لوائح العهد وأنه إختار الانكفاء في الاستحقاق النيابي الاخير عن المواجهة بإسم “المجتمع المدني” والمناخ الذي خلقه “17 تشرين” في كسروان وجبيل؟!