هل يسقط نتانياهو المصمّم على إلقاء إسرائيل في الهاوية؟!

154591Image1-1180x677_d

تعيش إسرائيل راهناً أكبر أزمة سياسية في تاريخها تهدّد ليس فقط كيان الدولة بل وأيضاً وجود إسرائيل نفسها.
الأزمة اندلعت على خلفية رغبة رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو بتعديل الدستور وتعديل القانون القضائي انطلاقاً من نظرة متشدّدة يريد تثبيتها في حكمه، والتي تُبعد عنه الملاحقات القضائية بعد تركه الحكم، إلا أن المعارضة الكبيرة التي واجهت ولا تزال هذا المشروع حيث تشير آخر استطلاعات الرأي الى وقوف أكثر من ٧٠% من الإسرائيليين ضد هذا المشروع وإصرار نتانياهو على تمريره، ما أوقع البلاد في حالة صراع أهلي غير معلن، وهو صراع مرشح للتصعيد خلال الأيام المقبلة ما لم يتم إيجاد مخرج أو حل للمعضلة.
نتانياهو يريد إضعاف النظام القضائي في إسرائيل لحماية نفسه من الملاحقات القضائية إلا أن دون تعديل النظام القضائي جملة استحالات تجعل المضي في المشروع بمثابة انهيار إسرائيل.
الأزمة بلغت من الحدّة والخطورة بحيث أقال نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت من منصبه بسبب رفضه للتعديلات القضائية، فيما هاجم المحتجّون منزل نتانياهو وازدحمت شوارع إسرائيل بموجات من المظاهرات والاحتجاجات التي لا تزال مستعرة حتى ساعة إعداد هذه السطور.
قراءة المشهد المتأزم حالياً في إسرائيل تقودنا الى جملة من الاستنتاجات والخلاصات ليس أقلها الآتي :
أولاً : منذ عودة بنيامين نتانياهو الى الحكم،ثمة وضع سياسي داخلي في إسرائيل غير مستقر انطلاقاً من أن نتانياهو، الذي شكّل حكومة يمينية دينية متطرّفة، ذهبَ عكس التيار الإقليمي الذي شهد الاتفاقات الإبراهيمية في نسختها الأولى والسعي الدؤوب للتطبيع مع المملكة العربية السعودية والانفتاح على العالم العربي، فجاءت حكومة نتنياهو الحالية لتضرب هذه الأجواء وتعيد الى المشهد التطرّف اليهودي الصهيوني الذي يريد العودة الى توسيع المستوطنات وتحدّي الأماكن المقدّسة للمسلمين، وإحكام القبضة الحديدية على الفلسطينيين وتجريدهم حتى من هوياتهم.

ثانياً : ممنوع على إسرائيل اذاً أن تذهب باتجاه التطرّف الديني والتصعيد في المنطقة ضد العرب، وبالتالي ممنوع على نتانياهو أن يخالف مساراً إقليمياً دولياً مرسوماً، لاسيما وأن الأميركيين والغرب يريدون منطقة مستقرة، وقد أعجبهم الانفتاح السعودي على إيران كونه يسهم في التهدئة للتركيز على تحديات حرب أوكرانيا والمواجهة العربية مع الصين وروسيا،
واذا كان من أمل في انضمام الرياض للتطبيع فلن يكون في ظل حكومة يرأسها بنيامين نتانياهو وحكومة متطرّفة تذهب عكس تيار النظام الدولي بانعكاساته على المنطقة.

ثالثاً : بعدما اتفقت السعودية مع إيران برعاية صينية بات الخيار الغربي "محشوراً" إقليمياً لأن الرياض كشفت حقيقة النوايا الإسرائيلية والأميركية الديمقراطية تجاه دول الخليج والمنطقة من خلال استخدام إيران "بعبعاً" أو "بجعة سوداء" للدفع باتجاه التقارب العربي معهما وتحديداً الخليجي، فاذا بالرياض ومن خلال اتفاقها المبدئي مع طهران تحشر تل أبيب والديمقراطيين في واشنطن في زاوية اتخاذ القرار الحاسم تجاه إيران، وبالتالي ضاقت على نتانياهو خيارات التلاعب بالورقة الإيرانية والضغط بها، وهو بات مطالباً بعملٍ ما يأتي اشتعال الشارع الاسرائيلي ضده ليقوضه ويقيده أو ربما يدفعه باتجاه عمل ما ضد إيران للهروب الى الأمام.

رابعاً : ما يحدث في إسرائيل هو انعكاس كامل لأزمة دولية تقضّ مضاجع الغرب وتنعكس على حلفائهم في المنطقة وفي طليعتهم إسرائيل، خصوصاً وأن النظام الديني المتطرّف في تل أبيب يعاكس تماماً التوجه الديمقراطي في الولايات المتحدة راهناً، فيما يسهم في تقوية قبضة الجمهوريين المتشددين وعلى رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب والمقرّبين من خطه. ويُلاحظ في هذا المجال أن كلاً من نتانياهو وترامب تجمعهما الصداقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يميل في طبعه ونهجه السياسي الى التشدّد الديني والعرقي والإمبراطوري، وبالتالي فإن الأزمة في إسرائيل وفي جذورها صورة مصغّرة عن أزمة دولية عميقة ومتشعبة الوجوه.

خامساً : المنطقة لفظت النماذج المتطرّفة منذ فشل الربيع العربي وعودة الأنظمة الدولاتية لتحكم الشعوب بعد انهيار النماذج الثورية الدينية من إخوان مسلمين وداعش والقاعدة وفروعهم كافة، وبالتالي المنطقة التي لفظت تلك النماذج من الإسلام السياسي المتديّن ولفظت التشيع السياسي مع إيران، لا تستطيع تحمّل النموذج الديني الصهيوني في وقت يطلب من إسرائيل أن تخدم مشروع غربنة (أي جعلها غربية) المنطقة كي لا نقول أوربتها (أي جعلها أوروبية) كما هي الحال في نظرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فكيف يمكن ذلك في ظل وجود كيان "دولتي" ديني متطرّف يحاكي النموذج "اللادولتي" الذي يمثّله النظام الإيراني الثوري والتوسّعي؟

سادساً : نتانياهو أمام خيارات صعبة ومصيرية له ولبلده، والأهم أن خياراته ضيقة ومحصورة، فإما أن يقبل بالاعتدال فتسقط حكومته، وإما يستمر في التشدّد فتدفع إسرائيل كلها ثمن تعنّته. وتعليقاً على قرار الإقالة، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، إن نتنياهو يهدّد الأمن القومي ويشكل خطراً على أمن إسرائيل.
كذلك قال ائتلاف الوحدة الوطنية الإسرائيلي، "لم يحدث من قبل إقالة وزير الدفاع لتحذيره من خطر أمني"، مضيفاً "نتنياهو مصمّم على إلقاء إسرائيل في الهاوية".
من جهته، قال وزير الدفاع السابق بيني غانتس "نواجه تهديداً حقيقياً ونتنياهو وضع نفسه قبل أمن إسرائيل"، فيما قادة الاحتجاجات الإسرائيلية صرحوا بأن نتنياهو يتصرّف كديكتاتور أصيل، معلنين تنظيم تظاهرات في منطقة المركز الحكومي في تل أبيب بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت.

اذاً نتانياهو في الربع الساعة الأخيرة من عمره على رأس حكومة متديّنة متطرّفة منغلقة على مسار المنطقة ومصالحها، فيما بات استمرار هذا النهج سبباً كافياً لاندلاع حرب أهلية داخل إسرائيل تساهم في انهيار المنظومة العسكرية، ويكون هذا الحدث مفاجأة المفاجآت في منطقة تتسارع فيها المفاجآت السياسية والعسكرية والأمنية من كل حدبٍ وصوب.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: