عقد "لقاء سيدة الجبل" وتجمع "الدستور أولا"، مؤتمراً صحافياً في مكاتب "المركز اللبناني للبحوث والدراسات" Politica، في الاشرفية، استهله رئيس اللقاء فارس سعيد، بتحية لشهداء الجيش اللبناني الستة.
وقال: "بداية نقف إجلالا لأرواح الشهداء عباس فوزي سلهب، أحمد فادي فاضل، إبراهيم خليل مصطفى، هادي ناصر الباي، محمد علي شقير ويامن الحلاق. لبنان أكبر من الجميع. وهؤلاء الأبطال شهداء للوطن لأنهم لكل الوطن. بتضحياتهم يقوم لبنان وسيبقى من جيل إلى جيل".
كما توجه الى كل اللبنانيات واللبنانيين، لافتاً: "إن النضال الذي خضتموه من أجل بسط سيادة الدولة وحدها لا غير على كل أراضي بلادنا قد بدأ يؤتي ثماره. وللمرة الأولى منذ العام 1969 وانتهاء حرب 1975-1990 المشؤومة، ها نحن أمام مرحلة التطبيق الجدي لبنود وثيقة الوفاق الوطني التي اتفقنا عليها في الطائف، وأول بنودها التنفيذية حل كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية".
اضاف: "نسمع اليوم من جانب حزب الله، أن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام قد انصاعا للإرادة والضغوط الدولية والخليجية عندما قررا السير في مهمة حصر السلاح بأيدي الجيش اللبناني والأجهزة الشرعية الأخرى."
وأوضح: "كلا أيها السادة، هذا تضليل وتجن على الحقيقة. إليكم حرفيا ما حدده اتفاق الطائف في أول بند تطبيقي فيه، تحت عنوان "بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية: البند الرقم 1، الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية".
في السياق، رأى سعيد أن "استمرار ميليشيا حزب الله في اقتناء السلاح واستعماله كان نقضاً وخرقاً فاضحين لوثيقة الوفاق الوطني تحت ضغط قوة وصاية نظام الأسد والتي أصبحت احتلالا، وخلفها في صفة الاحتلال والضغط على إرادة اللبنانيين نظام الجمهورية الإسلامية في إيران وذلك من خلال حزب الله وملحقاته."
وأردف: "لذلك بادرنا إلى إعلان تشكيل المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، مؤمنين وواثقين بأن لا حل لأزمة بلادنا إلا برفع وطأة هذين الاحتلال والتدخل السافر في شؤوننا وحاضرنا ومستقبل أولادنا. ولم نأبه يوما لأصوات معترضة أو هازئة. وعندما ضرب هذا المشروع في مسقط رأسه طهران وانتهى أمره انتقلنا إلى العمل تحت عنوان عريض هو تجمع الدستور أولا، داعين يوميا إلى التمسك بحرفية ما جاء في الكتاب الذي وحده ينجينا من المكائد والخلافات السياسية والطائفية والمناطقية ويعيد الدولة إلى لبنان."
وأكمل حديثه مشدداً: "وأقول انتهى أمره في طهران مستعيدا مشهدا لا يجب أن ينساه أحد كي لا نخطئ التحليل. في ليلة دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب سكان العاصمة الإيرانية إلى إخلائها. وبعد ساعات كان عشرة ملايين إيراني قد أصبحوا خارجها".
أضاف: "هذه الدولة نفسها التي لا تسيطر على أجوائها ولا على أرضها والتي يضربها العدو ساعة يشاء ولا ترد عليه إلا في شكل فولكلوري ومنسق، وبعد أخذ الإذن والموافقة لحفظ ماء الوجه، تريد أن تملي علينا اليوم ماذا يجب أن نفعل وما لا نفعل، ما هو وطني وما هو غير وطني، بدل أن تنصرف إلى لملمة أحوالها وتلبية تطلعات شعبها الذي يئن من الظلم والفقر وانعدام خدمات الدولة وانحلالها منذ عقود وعقود".
كذلك، لفت سعيد الى أنه "في عز هيمنة هذه الدولة على لبنان رفعنا شعار تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني المقنع والسافر، ومرة أخرى نقول لها لا نخافكم حتى لو قتلتم مليون لقمان سليم من بيننا. وهيهات أن يخضع لكم لبنان. إمبراطوريات عظمى مرت قبلكم عبر التاريخ ببلادنا ولم تترك سوى لوحات على نهر الكلب. هناك مكانكم في تاريخنا".
وشدد: "نسمع أيضا أن وثيقة الوفاق الوطني - الطائف قد شرعت ما يسمى بسلاح المقاومة. وهذا كذب مفضوح ومحاولة تلاعب بعقول من لم يقرأوا يوما وثيقة الوفاق الوطني. والحقيقة أن الوثيقة نصت بجلاء تام في بند تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، على ما يأتي حرفيا: استعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا تتطلب الآتي:
أ- العمل على تنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة.
ب- التمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949.
ج- اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا، والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني، لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود".
وسأل سعيد: "فمن أين جاؤوا بمزاعم تشريع سلاح غير شرعي في هذا النص الشديد الوضوح؟"
وقال: "لكل من يسمعني اليوم، لقد تكبد اللبنانيون للتوصل إلى اتفاق الطائف الذي أصبح دستورا نحوا من 150 ألف قتيل وخسائر هائلة على كل المستويات. وكلف عدم تطبيق بند حل كل الميليشيات من دون استثناء، ما لا يمكن وصفه وتحديده من إزهاق أرواح ودمار وخراب في كل مجالات الحياة والعمران، فضلا عن أحقاد بحجم الجبال بين فئات الوطن، حتى بدا لبنان على مدى عشرات الأعوام بلدا ميؤوسا منه ودولته خيال دولة سمتها الرئيسية السلاح والعنف الإفلات من العقاب والحروب التي تخاض لحساب دول أخرى ومن أجل قضايا لا تخص اللبنانيين، كما حصل في سوريا، أو لا تخص اللبنانيين وحدهم كما في حرب غزة وإسنادها. حروب كانت نهايتها معروفة سلفا لأنها خيضت بلا شورى بين اللبنانيين وبلا تدبير ولا رؤية على الإطلاق".
كما أعطى مثالاً بأنه "في 8 تشرين الأول 2023، بعد يوم واحد على عملية حماس في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر، انهمرت الاتصالات من عواصم غربية على المسؤولين الرسميين في لبنان تحذر من خطورة انجرارنا إلى حرب، لأن نتائجها ستكون مكلفة جدا ولا يمكن تصورها. كان جواب حزب الله كالآتي: إذا تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمر في فلسطين فإن حزب الله لن يبقى على الحياد وسيدخل المعركة".
أضاف سعيد: "أما ما هي هذه الخطوط الحمر، فحددها الحزب كالآتي: إذا اجتاح الإسرائيليون قطاع غزة برا، إذا تجاوز عدد الضحايا المعقول، إذا اغتيلت قيادات فلسطينية أو لبنانية أو غيرها من "محور المقاومة". وطبعا إذا تعرضت مواقع الحزب للاعتداء. ولم ينتظر الحزب ماذا سيكون رد الفعل الإسرائيلي، بل دخل الحرب تحت شعار "الإسناد". وبالطبع لم يسأل أحدا غير قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قآني الذي وصل على الفور إلى لبنان. وقد رأينا جميعا النتائج المفجعة لسياسة "كرمال ألله يا سيد يالله" التي لا تقيم حسابا للدولة اللبنانية ولا للشعب اللبناني ولا للدستور، ولا لأبسط المبادئ والقيم التي تقوم عليها الدول ذات السيادة والاحترام".
ضمن هذا الإطار، اوضح: "من الخطأ أن يقول بعضنا بأن الدولة هي التي جاءت إلى مواقفنا. نحن، وبشكل ثابت ومبدئي، لطالما كنا مع منطق الدولة ومؤسساتها ولطالما طالبنا بحصر السلاح بيدها. لم نتغير في موقفنا بل على العكس. لقد اختلفت الأوضاع، والجميع مدعوون اليوم الى الالتقاء في الموقف الوطني الواحد المتمثل بضرورة تطبيق منطق الدولة الذي يحمي كل اللبنانيين من دون استثناء"
وأردف: "من هذا المنطلق، أوجه الدعوة مجددا الى حزب الله لكي يلتحق هو أيضا بمنطق الدولة، وأن يضع ثقته الكاملة بمؤسساتها. وإن ادعاء البعض بأننا أملينا على الدولة قراراتها ليس مفيدا. وعندما يسلم الحزب سلاحه، سيكون ذلك للدولة اللبنانية الشرعية وليس لأي خصم سياسي".
ورأى أن لبنان اليوم "أمام تحولات في طبيعة الصراع، مضيفاً: "في السابق، كان يوصف الصراع بأنه سياسي أو عقائدي أو حتى ثقافي. ووثيقتنا التي أصدرت في 14 آذار 2008، التي ساهم في صياغتها الصديق سمير فرنجية، عبرت عن هذا الجانب عندما تحدثنا عن خلاف ذي طبيعة ثقافية. قلنا وقتها إننا نحب الحياة وهم لا يحبون الحياة. ولكن اليوم، لم يعد هذا الصراع سياسيا أو عقائديا أو ثقافيا."
وأكمل حديثه، لافتاً: "لقد أصبح صراع مصلحة وطنية صافية. فكل عائلة في لبنان وكل فرد، يدرك أن مصلحته الحياتية مرتبطة مباشرة بحصر السلاح بيد الدولة. مصلحة كل طالب في قسطه المدرسي، مصلحة كل مريض في دخوله المستشفى، مصلحة كل مواطن في أمنه الغذائي، كل هذه الأمور لا يمكن أن تتحقق ما دام هناك سلاح خارج سيطرة الدولة. وكل لبناني يدرك أنه لا يمكن لانطلاقة العجلة الاقتصادية والمالية ولا إعادة الإعمار ولا تحقيق الإصلاحات، أن تتحقق بوجود سلاح خارج إطار الدولة. وبالتالي، نحن نتحدث عن مصلحة لبنانية خالصة وليس عن مصلحة فئوية".
وختم بالقول: "في سبيل هذه المصلحة العليا وحتى في سبيل مصلحة الطائفة الشيعية الكريمة، يجب أن تطوى صفحة السلاح غير الشرعي ليحل محلها سلاح الدولة الذي يحمي الجميع. ووحده لا شريك له على كل أراضي لبنان".