وقد شَهدَ “ظريف” من أهله …

محمد جواد ظريف

قالها وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف : “ما لنا وغزة !
ظريف العالِم بخلفيات وخفايا السياسة الإيرانية ومهندس المفاوضات النووية مع العرب والمعارِض بشدة تبنّي نهج قاسم سليماني الإقليمي، يكشف بصراحته المعهودة منذ تخليه عن السلطة حقيقة الموقف الإيراني من قضية فلسطين .

صقر الفصيل المعتدل في إيران لا يعبّر عن رأيه فقط

ظريف اذاً لا يمثّل رأيه الشخصي، وهو أحد صقور الفصيل المعتدل في إيران، المطرود من السلطة في الانتخابات النيابية الأخيرة التي سعى خلالها المرشد علي خامنئي بكل قوته الى إعادة تكوين السلطة وانتخاب رئيس جديد، حتى أنه إضطُر الى جلد نفسه وطرد أغلب المرشحين المعتدلين،
فظريف لا يعبّر عن رأي شخصي عندما يخرج الى الإعلام بتصاريح من العيار الثقيل الذي خرج به، إذ بذلك يعبّر عن وجهة نظر النظام الحاكم في طهران مع اختلاف يتجلّى في استغلال ظريف للظروف الحالية وتداعيات أزمة غزة، والتي بالإمكان أن ترتدّ الى الداخل الإيراني، ولكنه في الوقت نفسه يعبّر عن وجهة نظر حكومية.

سياسة إيران في إحداث صخب سياسي وإعلامي

رئيس أركان القوات المسلّحة الإيرانية اللواء الركن محمد باقري قال منذ أيام إن إسرائيل لن تمحي فشلها ولو قتلت كل سكان غزة، وهو بشكل أو بآخر يُظهر كيفية تفكير صانع القرار الإيراني، وبالتالي يقرّ ضمنياً بعدم تدخّل إيران لإنقاذ شعب غزة ولو أباده الإسرائيلي.
وثمة تصريح آخر أكثر وضوحاً كان قد صدر عن قائد قوات الجو-فضائية في الحرس الثوري الإيراني قال فيه إن إيران لا يمكنها أن تتدخّل بشكل مباشر لإنقاذ الوضع في غزة لأن تدخّلها بشكلٍ مباشر يعني العودة عشرين سنة الى الوراء، وبالتالي فإيران ترفع شعارات لإحداث صخب إعلامي وسياسي ليس إلا، وأمثال ظريف والقادة الإيرانيين وحدهم القادرين على فضح النوايا الإيرانية .

القضية الفلسطينية ذريعة إيران للدخول الى العالم العربي

الحقيقة التي يمكن استخلاصها اذاً سواء تكلّم محمد جواد ظريف أم لم يتكلم، وسواء تكلّم القادة العسكريون أم لم يتكلّموا هي أن لا إيران ولا أذرعها، وفي طليعتهم حزب الله، ستتدخّل في حرب غزة، حتى أنه في مسألة الدستور الإيراني عندما يتكلم عن المظلومين ونصرتهم فإنما يتكلم عن الطائفة الشيعية الكريمة التي تستخدمها لزعزعة الأنظمة السنّية المتواجدة في المنطقة، وقد نجح النظام الإيراني مرحلياً في استخدام القضية الفلسطينية كذريعة للدخول الى العالم العربي وضرب نسيجه الاجتماعي الثقافي والسياسي من الداخل، إذ لم نرَ تدخّلاً إيرانياً عندما حصلت الحرب في سوريا مع حزب الله مع الأخذ بالحسبان بالحسبان الوضع الاقتصادي والانقسام السياسي والطائفي وتداعيات الحرب، لا بل رأيناهم يتدخّلون لنصرة بشار الأسد بقدّهم وقديدهم.

التخادم الإسرائيلي- الإيراني المستدام

أما في غزة، فحسابات طهران مختلفة وقد تجلّى بوضوح وبعد مرور كثر من شهر على اندلاع الحرب هناك كيف أن إيران وحزب الله والأذرع الإيرانية الأخرى تتجنّب التورّط في الحرب استراتيجياً وعملانياً، إذ هناك ثمة مصالح عليا بين إسرائيل وإيران لا تريد طهران التضحية بها كرمى لعيون غزة أو القضية الفلسطينية، وقد راقبنا وشاهدنا طوال السنوات العشر الأخيرة التخادم الإسرائيلي- الإيراني الخفي في أكثر من محطة، ولكي لا نعود كثيراً الى الوراء نستذكر فضيحة “إيران غايت” على سبيل المثال لا الحصر وبيع إسرائيل السلاح لإيران أثناء حربها مع العراق، كل هذا في الوقت الذي تنادي فيه طهران وتهدّد بمحو إسرائيل من الوجود في دقائق، وتل أبيب ترعد وتزبد في ضرب البرنامج النووي الإيراني والهجوم على إيران .

المعادلة اذاً واضحة : إيران لا تريد ضرب إسرائيل ومحوها من الوجود، فيما إسرائيل لا تريد ضرب إيران وإسقاط نظامها المتخادم معها، بل جلّ ما تريده عدم السماح لطهران بامتلاك القنبلة النووية وحسب، وما دون ذلك فإن إسرائيل تحتاج الى إيران في مشروع زعزعة دول المنطقة وتطويقها، وصولاً الى منابع النفط والثروات الخليجية بشكل أو بآخر وإضعاف تلك الدول، فضلاً عن كل ذلك، دعونا نتوقف قليلاً عند تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منذ أيام والتي فضحَ خلالها الاتفاقات السرّية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بخصوص المنطقة، بما في ذلك الهجوم بالصواريخ الذي استهدف قاعدة “عين الأسد” إثر مقتل قاسم سليماني الذي نُسق مسبقاً، وهو كلام يفضح المستور ونهج إيران “المصلحي” في المنطقة والذي يمتطي من أجل ذلك أحصنة القضايا المحقّة كالقضية الفلسطينية لا من أجل الدفاع عنها بل من أجل البيع والشراء على ظهرها .

شعار “لا غزة ولا لبنان”

هتاف “لا غزة ولا لبنان، روحي فداء لإيران … شعار الشعب الإيراني المنتفض على نظامه في شوارع المدن الإيرانية الكبرى سبقَ كلام ظريف و نصرالله وكلام كل هذا المحور المأزوم سياسياً وعسكرياً وأمنياً واستراتيجياً … فالشعب الإيراني سئم وهو مأزوم معيشياً واقتصادياً …
وهو أول مَن فضح زيف سياسة النظام الإيراني، والفصيلان الإصلاحي والمتشدّد بارعَين في الهروب من أزماتهم الداخلية من خلال إشعال الجبهات الخارجية هروباً الى الأمام أو من خلال تركيز الأنظار والحملات على القضية الفلسطينية بالدرجة الأولى.
من هنا، فإن اللافت منذ اندلاع حرب غزة التصاريح الإيرانية المتكرّرة بنفي علاقة إيران بهجوم ٧ تشرين الأول ونفيها أي تورّط لها في الأحداث بدءاً من المرشد علي خامنئي الذي كرّر مرات عدة وفي مناسبات عدة علاقة إيران بما جرى ويجري .

غزة ليست مصلحة إيرانية عليا

هذه المواقف الإيرانية بدل أن تتجه في لحظة ضعف ووهن إسرائيل باتجاه الانقضاض عليها إنفاذاً لوعد الهي ولشعارات تحرير القدس ونصرة الشعب الفلسطيني وحقه المشروع، اتجهت الى المنحى المعاكس منتقاعساً وخذلاناً مع حلفائها الإقليميين، مدّعية عدم التدخّل لإدانة المسّ بمصالحها الحيوية المباشرة بما يُستشف من مثل هذا الحديث عدم اعتبار إيران غزة مصلحة إيرانية عليا .

أين مَن يدّعي إزالة إسرائيل عن الخاريطة من نصرة غزة؟!

رب قائل إننا في تقييمنا لعدم التدخّل الإيراني في حرب غزة وعدم تورّط حزب الله اللبناني إنما نناقض أنفسنا بين مطالباتنا بعدم توريط دول الجوار كلبنان مثلاً وبين الأخذ على إيران وحزب الله عدم تدخّلهما لمساعدة غزة : لهؤلاء نجيب بكل بساطة إن مَن دأب منذ سنوات لا بل منذ عقود على رفع السقف عالياً في إدعاء محو إسرائيل من الوجود، وفي تصنيع ترسانة أسلحة وصواريخ باليستية لتدمير إسرائيل، ومَن صرّح مراراً وتكراراً عن الجهوزية لضرب ما بعد بعد حيفا، عليه توقّع تصاعد الانتقادات والمآخذ عليه خصوصاً في لحظة تسليم الجميع في المنطقة، عرباً وغير عرب، بنجاح حفنة من الفدائيين الفلسطينيين في ضرب معنويات إسرائيل وهيبتها وأسطورة الجيش الذي لا يُقهر حيث، كانت الفرصة متاحة للانقضاض على إسرائيل أو أقله لإظهار كيفية ترجمة تلك السقوف العالية والاستعدادات التسليحية والباليستية على أرض الواقع، وبالتالي مَن يريد رفع السقوف عليه إثبات صدقيته، الأمر الذي فشل فيه محور إيران- حزب الله، وبالتالي سقطت معه الهالة والمصداقية بنفس لحظة سقوط هيبة ومصداقية الجيش الإسرائيلي الذي “يتشاطر” حالياً على الأطفال والنساء والشيوخ والشعب الأعزل في غزة، تماماً كما تشاطرت آلة الحرب والتسلّح الإيراني عبر وكلائها على قتل مئات الآف السوريين وتشريد وتهجير الملايين، وكما نجحوا في ضرب أمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج واستقرارها وقسّموا اليمن مجدّداً بين شمال وجنوب وانهكوا العراق وقسّموه، واللافت أنهم في كل هذا لم يحسبوا حسابات استراتيجية أوحسابات المواجهة الكبرى مع أميركا وإسرائيل، بل كانوا أسرع من البرق في ضرب واحتلال الدول العربية وزعزعة أمنها واستقرارها، وكأن طريق تحرير القدس ونصرة فلسطين امر بضرب الرياض وارامكو وجازان وتعز وعدن ودمشق وحلب وحمص وبيروت …

بين حسن نصرالله الذي يقول في خطابه الأخير إن ما يحصل في غزة توقيتاً وميدانياً وتنفيذاً هو فلسطيني داخلي لا علاقة لمحور الممانعة به، وبين كلام محمد جواد ظريف، بانت حقيقة النهج الإيراني الساقط في المنطقة ووهم المحور التابع له، ومعه بان الكذب والاستغلال والتخادم على أعلى مستوياته وترك شعب غزة لوحده يُذبح على مائدة لعبة مصالح الأمم والدول المتحكّمة برقاب الناس.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: