باتت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اليوم أمام اول اختبار جدي يتعلق بالتماسك بين مكوناتها وقدرتها على تجاوز الخلافات والتباينات. وتمثل هذا الاختبار في طرح ملف تنحية المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت ، وارجاء الجلسة الى اليوم.وقد يكون أخطر ما حصل أمس في تطورات ملف التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت هو استحضار تجارب "تطييف" او "مذهبة" موقف حزبي اعتراضي على المحقق العدلي في هذه القضية القاضي طارق البيطار ودفع الأمور نحو اجهاض التحقيق برمّته رغم كل المزاعم والحجج التي يراد لها تبرير نسف التحقيق. فحتى في حقبة الصراع الأعنف التي فجّرها انشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي اتسمت بانقسام سياسي عريض وواسع حولها، لم تبلغ الأمور ما بلغته فجأة في الساعات الأخيرة من تشكل حالة مذهبية شيعية رفعت تحت لافتة اعتراض هو اشبه بالفيتو في وجه المحقق العدلي والقضاءوبحسب "النهار" فان مجلس الوزراء سيكون امام امتحان كبير اليوم وامام مفترق طرق: فوزراء "أمل" و"حزب الله" اطلوا بانتمائهم السياسي الواضح من خلال موقف سياسي موحّد قدمه وزير الثقافة محمد مرتضى كقاضِ بقالب قانوني طالبوا فيه باستبدال المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. وما لم تتوصل اتصالات الليل التي اعقبت الجلسة إلى اتفاق، فالافتراق واقع وقد ينفذ وزراء "امل" والحزب تهديدهم بالاعتكاف او الانسحاب من مجلس الوزراء.المعلومات تشير إلى ان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ليسا بوارد تسجيل سابقة بموقف يعدّ تدخلاً في عمل السلطة القضائية او في التحقيق العدلي".لذلك ستكون جلسة اليوم الاربعاء كحد السيف إما بانقاذ الحكومة او بشلّها ما لم تكن اتصالات الليل نجحت في تقديم العقل القانوني على الموقف السياسي.وبالتالي فان القضية انتقلت إلى مستوى آخر، وبعد دعوة السيد نصرالله «مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى إلى التدخل سريعاً لوقف التسييس الفاضح الذي يحيط بعمل المحقق العدلي"، انطلقت سلسلة من الاتصالات والمشاورات ذات الطابع السياسي والإجرائي قام بها مسؤولون كبار في حزب الله مع عدد كبير من القوى السياسية المعنية والممثلة في الحكومة. وتم التوافق بصورة مبدئية على أن يطرح ممثلو حزب الله وحركة أمل في الحكومة الأمر من خارج جدول الأعمال، على قاعدة تقديم مطالعة تولاها وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى. وكانت الوجهة واضحة: المطلوب من مجلس الوزراء خطوة عملية، وفي حال رفضت الحكومة البت بالأمر، فإن الوزراء الشيعة سينسحبون من الجلسة ولن يستمروا في متابعة جدول الأعمال. وخطوة مجلس الوزراء ليست منفصلة عن برنامج يبدو أن المناقشات بين حزب الله وحلفائه في الحكومة توصلت إلى صياغة أولية له، ويشمل مجموعة من الخطوات الهادفة إلى منع الاستمرار في المسرحية القائمة.يتضح من سياق مداولات مجلس الوزراء، أن القوى المشاركة في الحكومة، بما في ذلك تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، لا تمانع إيجاد المخرج القانوني الذي يمنع أخذ البلاد صوب مواجهات غير مطلوبة، خصوصاً أن هذه القوى تبلغت على ما يبدو بأن حزب الله وحركة أمل وتيار المردة والنائب طلال إرسلان ليسوا في صدد ترك الأمر، وأن الاستعداد للتحرك في الشارع حقيقي وقد يذهب باتجاهات واسعة أيضاً. لذلك، يبدو أن الجميع يبحث عن المخرج القانوني الملائم، وهو ما تحول إلى مادة لاتصالات سياسية واسعة استكملت بعد انتهاء جلسة الحكومة في انتظار ما يفترض أن يقترحه وزير العدل هنري خوري في جلسة اليوم بما يسمح بمعالجة الأزمة. علماً أن هذه الأزمة كشفت عن ثغرة تشريعية تتعلق بالسلطة التي لها الحقّ في ردّ المحقق العدلي، وهو ما يحتاج إلى تدخُّل المشرع ليحدد الجهة المولجة بذلك بعدما تبيّن أنه لم يعد ممكناً ردّ المحقق العدلي.بحسب مصادر قانونية، يمكن الهيئة العامة لمحكمة التمييز أن تجتمع لتعيين مرجع للبت بردّ المحقق العدلي، وأن تخرج باجتهاد يحدد محكمة معينة للبت من قبيل سد الثغرة القانونية. وفيما لا صلاحية لوزير العدل أو لمجلس الوزراء بردّ المحقق العدلي، إلا أن في إمكان مجلس الوزراء العدول عن مرسوم إحالة قضية المرفأ إلى المجلس العدلي وإعادة الملف إلى المحكمة العسكرية باقتراح من وزير العدل الذي يمكنه أيضاً أن يقترح تعيين محقق عدلي آخر نظراً لخطورة الوضع.وتؤكد المعلومات لـ"الديار" ان حزب الله ماض حتى النهاية بمعركة تنحية البيطار عن الملف بالطرق القانونية والسياسية. وتقول مصادر مطلعة على جو الحزب لـ"الديار" ان قراره التحرك والمواجهة ينطلقان من مبدأ رفضه للاستنسابية والتسييس اللذين يطبعان عمل البيطار كما من سعيه لتصويب التحقيق"، مشددة على انه سيستنفد كل الوسائل لتحقيق غايته.في المقابل، بدا رئيس الجمهورية ميشال عون محرجاً في الجلسة، وبادرت مصادره ليلاً إلى تسريب أجواء "التمايز" في الموقف مع "حزب الله" إزاء كيفية مقاربة ملف المحقق العدلي، بينما كان وزير العدل هنري الخوري قد حاول تبريد اندفاعة وزراء الثنائي الشيعي خلال جلسة بعبدا عبر التنبيه إلى ضرورة احترام "مبدأ فصل السلطات وعدم قدرة مجلس الوزراء على التدخل في عمل القضاء"، فاحتدّ النقاش على إثرها ليبلغ مستوى تلويح وزراء الثنائي بخيار الانسحاب من مجلس الوزراء، فطلب رئيس الجمهورية، بعد سلسلة اتصالات جانبية جرت على هامش انعقاد مجلس الوزراء، إرجاء البت بالموضوع 24 ساعة على أن تعود الحكومة للانعقاد اليوم وبحث المخارج المناسبة.ونقل مصدر واسع الاطلاع لـ"نداء الوطن" أنّ "المجلس الاعلى للدفاع الذي يتبع إليه جهاز امن الدولة، عندما رد طلب إذن ملاحقة اللواء صليبا في المرة الأولى، ومن ثم أمس، فإنه برر قراره "بوجوب تصحيح البيطار نصّ طلبه بحيث لا يكون الإذن بملاحقة اللواء صليبا بصفته مدعى عليه، إنما استجوابه كشاهد، وهذا لم يحصل نظراً لكون المحقق العدلي أصرّ على ملاحقته كمدعى عليه".وعلى الرغم من ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قلّل من خطورة ما حصل مؤكداً، بحسب مصادر حكومية، لـ"الجمهورية" ان "الامور غير مقفلة على الحل" خصوصاً بعد تكليف وزير العدل متابعة الملابسات القانونية والدستورية المتصلة بالتحقيق ورفع تقرير الى مجلس الوزراء اليوم. فيما طالب وزراء الثنائي الشيعي بإصدار موقف يعتبر مذكرات التوقيف التي اصدرها البيطار "كأنها لم تكن" واستبدال البيطار نفسه بقاضٍ آخر. ما دفع بعض المراقبين الى القول ان مصير الحكومة قد يكون بات رهناً بما ستتخذه من موقف ازاء هذين المطلبين.
