اقتحمت “مواجهة كاريش” سلم الأولويات اللبنانية الأشد الحاحاً وحولتها في وجهة بالغة الخطورة تنذر بزج لبنان في ما لا قبل له او قدرة على مواجهة اكلافه وهو في أسوأ ما عرفه بلد في العالم ضربه انهيار مماثل. الانكى في هذا الهم الطارئ انه جاء ليكشف خطورة مضي الموقف اللبناني الرسمي ضائعاً ومنقسماً بين ذبذبات التردد والتراجع في الخلط بين الخطين 23 و29 فيما المرسوم 6433 الذي يحتاج الى تعديل لا يزال جامدا ومجمدا لدى رئاسة الجمهورية الامر الذي يعرض موقف رئيس الجمهورية ميشال عون لانتقادات داخلية، ويضعف الجبهة المفاوضة اللبنانية، في وقت يكرر الرئيس عون الطلب من الولايات المتحدة عبر سفيرتها في بيروت دوروثي شيا، إعادة تحريك وساطتها في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من خلال ايفاد الوسيط اموس هوكشتاين . والواقع ان المخاوف تفاقمت امس من صدام بحري على وقع انباء وصول السفينة المتخصصة باستخراج الغاز وتمركزها في حقل كاريش إيذانا ببدء اعمال الاستخراج في اشهر قليلة. وبازاء هذا التطور حددت أوساط لبنانية مواكبة ومعنية الاحتمالات الناشئة عن وصول السفينة بثلاثة: اما اندلاع مواجهة عسكرية جراء عملية يتولاها “حزب الله” كرسالة لمنع إسرائيل من الاستفراد بالساحة البحرية، وهو امر لا يزال مستبعدا قبل استنفاد فرص التفاوض ولو “على الساخن”، واما مسارعة الدول المعنية وفي مقدمها الولايات المتحدة وبعض الأوروبيين الى احتواء خطر المواجهة وتحريك مفاوضات ترسيم الحدود بما يملي توقف إسرائيل عن عمليات التنقيب والاستخراج من حقل كاريش وهو الاحتمال الكثر ترجيحا، واما الإفساح امام عمل ديبلوماسي سريع عبر الأمم المتحدة من خلال تحرك لبنان عبر شكوى على إسرائيل يقرنها بتقديم مستندات جديدة تتصل باعتماد الخط 29 منطلقا نهائيا للمفاوضات. وسيكون احتمال تحريك المفاوضات عبر الوساطة الأميركية محور الجهود الديبلوماسية في الأيام القليلة المقبلة علما ان معطيات سابقة لوصول السفينة الى حقل كاريش امس كانت تتوقع حركة قريبة في شأن إعادة تحريك وساطة هوكشتاين في وقت قريب.
ومع دخول سفينة “FPSO Energean Power” المياه الإقليمية صباح الأحد، أدخلت إسرائيل عملياً الجبهة الحدودية مع لبنان في مرحلة “اللعب بالنار” وفق ما يرى خبراء عسكريون، لتتجه الأنظار تالياً إلى ردة فعل “حزب الله” الذي سبق وحذر على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الشركات الأجنبية من مغبة المخاطرة الأمنية الناتجة عن أعمال استخراج النفط والغاز من المنطقة المتنازع عليها، فهل ستشهد الجبهة الحدودية على مشارف تموز 2022 استعادة لمعادلة “أنظروا إليها تحترق” التي دشّن فيها نصرالله الهجمات الصاروخية على البارجة العسكرية الإٍسرائيلية في تموز 2006… أم أنّ التوقيت الإقليمي و”النووي” الراهن يحتم عليه الإبقاء على حالة “الستاتيكو” الحدودية جنوباً، فتكون المعادلة هذه المرة في مواجهة إسرائيل: “أنظروا إليها… تشفط الغاز”؟!
أما على ضفة الدولة، فتقاطعت التصريحات عند تحميل الطبقة الحاكمة مسؤولية الفشل في إدارة الملف النفطي وحرمان اللبنانيين من الاستفادة من ثرواتهم الوطنية بعدما زجّها العهد وتياره في “بازارات مفتوحة” تبتغي تعويم المصالح السياسية والمنافع الشخصية على “منصة” التفاوض اللبناني مع الوسيط الأميركي بغية استدراج عروض “المقايضة” بين الخط البحري الحدودي للبنان ورفع العقوبات عن جبران باسيل… فكانت النتيجة أن سارعت إسرائيل إلى “اقتناص اللحظة” لفرض أمر واقع في المنطقة الحدودية، مستفيدةً من تجميد رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم تعديل المرسوم 6433، وإقراره علناً في شباط الفائت بأنّ حدود لبنان البحرية تنطلق من إحداثيات الخط 23 مقابل اعتباره أنّ الخط 29 ليس لديه “حجج تبرهنه”، وذلك بالتوازي مع عدم المبادرة إلى الرد خطياً على مقترح “الخط المتعرج” الذي قدمه السفير آموس هوكستاين. الأمر الذي دفع نواب التغيير إلى تحميل رئيس الجمهورية “شخصياً مسؤولية التنازل عن حقوق لبنان البحرية”، على أن يعمدوا إلى تظهير موقفهم هذا خلال مؤتمر صحافي يعقدونه في مجلس النواب بعد ظهر اليوم.
وعلمت “نداء الوطن” أنّ وزير الخارجية عبد الله بو حبيب يتجه إلى استدعاء سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن “لوضعهم في خطورة الوضع والطلب من دولهم المسارعة إلى إيجاد الحلول المناسبة لتداركه”.
