لم تكن نماذج الصدامات والاحتكاكات التي شهدها قصر العدل في بيروت امس سوى بعض مقدمات عما بلغته الفوضى اللبنانية في ما كان يفترض ان يشكل محراب النظام والانتظام والسلوكيات الديموقراطية المحترمة، فاذا باليوم الماراثوني الطويل في "العدلية" يتكشف عن المدى الصادم للسقوط المحقق للقضاء مؤسسات ومقامات واشخاصا. ويكفي للدلالة على عمق الإصابات والتفكك الذي أصاب من القضاء مقتلا غداة "انقلاب" قاده مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات على المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، ان ينتهي اليوم الطويل الى اخفاق مجلس القضاء الأعلى في عقد اجتماع كان الجميع يتطلعون اليه ويحبسون الانفاس في انتظار وضع يده على اخطر انفجار حصل داخل الجسم القضائي. وبدا واضحا ان مجريات الانقلاب على المحقق العدلي والتي يخشى انها أودت تماما بالتحقيق نفسه في مجزرة انفجار المرفأ استكملت فصولها البارحة في افتعال مسببات لمنع انعقاد مجلس القضاء الأعلى بما يتكشف عن اتساع مروحة الانقلابيين من داخل الهرمية القضائية الأعلى في لبنان لكي يضحي ابعاد بيطار والاجهاز على التحقيق امرا واقعا بتواطؤ رسمي وسياسي وقضائي.
واما ما فاقم صورة القلق والشحن النفسي والمناخات المتشائمة فتمثل في تسارع المجريات الصدامية القضائية على وقع مجريات مالية معيشية وحياتية كارثية توغلت معها البلاد نحو المرحلة الطالعة من الانهيار.
وافاد مصدر قضائي "النهار" ان عويدات احال اوراق الإدعاء بشأن المحقق العدلي على الرئيس الاول لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود لتعيين قاضي تحقيق للنظر في ملف هذا الإدعاء.
وبدا واضحا منذ بدء الاستعدادات لجلسة مجلس القضاء التي كانت مقررة الأولى بعد الظهر لبحث جدول الاعمال وفي عداده قرار القاضي بيطار بإن الجلسة لن تعقد رغم وجود كل اعضاء المجلس، ولاسيما عندما تخطى موعد الإجتماع ساعة ليرجأ عند الثانية والنصف "بعدما إرتأى القاضي عبود هذا الإرجاء "تهدئة للأمور لأن الوضع الأمني لا يسمح بعقده، ولكانت تأزمت الأمور أكثر، وخوفا من إراقة الدماء" وفق زعم عويدات. وفضلا عن ذلك أشارت مصادر قضائية الى ان أعضاء في المجلس كانوا يصرون على طرح موضوع تغيير القاضي بيطار في الجلسة.
وكتبت" الاخبار": تواصل أمس مسلسل انهيار المؤسسة القضائية في لبنان. ومرة جديدة، لجأ قضاة إلى «الرأي العام» لتبرير عدم اتخاذ أي خطوات عملية تقود إلى تسوية الملفات العالقة. ونجح رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود، ومعه قوى كثيرة، في تحضير مناخ عطّل انعقاد مجلس القضاء الأعلى للبت في مصير المحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار، علماً أن الاتصالات السياسية لم تكن قد أمّنت بعد نصاباً كاملاً لانعقاد المجلس، ولا توافقاً على ما سيخرج به من قرارات.
ما يدور داخل هذا الجسم «المخلخل» جدّي إلى حدّ عجز كثيرين عن معالجة فورية وسريعة. ويوم أمس، كان طويلاً ومتعباً في قصر «العدل» ومحيطه. لم تسر الأمور كما كان مخططاً لها، إذ قرر أعضاء مجلس القضاء الأعلى إلغاء الجلسة التي كانت مقررة لمناقشة الكتاب الذي توجّه به مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات إلى المحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار، والبحث في «انقلاب» البيطار الذي استأنف عمله في الملف باجتهاد أصدره بنفسه، متجاهلاً كل السلطات. وقد بدا ليل أول من أمس، ونتيجة التداعيات التي خلفها الاجتهاد الدستوري للبيطار، أنه لم يكُن بإمكان مجلس القضاء الأعلى، الذي عطّل عبود انعقاده على مدى أشهر، سوى تأمين النصاب والاجتماع لاتخاذ قرار بحق المحقق العدلي. إلا أن عبود لم «يستسلم»، وقاد عملية ناجحة لتطيير الجلسة، بمشاركة عدد من النواب الذين كانوا يقاتلون من أجل حماية مبدأ فصل السلطات، لكنهم مارسوا تخريباً ممنهجاً لمنع اتخاذ أي إجراء بحق البيطار من خلال ضغط الشارع، أو بالأحرى شغبه.
وأكّدت مصادر قضائية أن «فشل اجتماع مجلس القضاء الأعلى لا يعني أن الأمور انتهت، بل ستتطور لا سيما في الأيام التي حدد فيها البيطار تاريخ استجواب الذين ادعى عليهم»، وكشفت أن «الاجتهاد الدستوري الذي أعلن عنه البيطار أعدّه بالتنسيق مع مجموعة من المحامين والنواب الداعمين له».
اعتبرت مصادر مطلعة ان ما جرى امام قصر العدل وفي مكتب وزير العدل ان دل على شيء، فهو يدل على كسر هيبة العدالة، تحت اقدام حماتها، ايذاناً بانهيار آخر فصول التجربة العونية المتهالكة خلافاً للشعارات التي سيقت طوال السنوات الرئاسية الست.
وهذا الامر يفتح الباب امام استدراج القضاء الدولي للتحكم اكثر واكثر بمجريات الوضع سواء ملفات الفساد او تحقيقات المرفأ وهو ما عزز المخاوف من تحضير الارضية في لبنان للتسخين او الاشتعال قبل الانتقال الى مرحلة المعالجات.
واعتبرت مصادر سياسية ان وزير العدل هنري خوري ومجلس القضاء الاعلى يتحملون مسؤولية التصادم والفوضى القضائية،جراء تراخيهم،كل لاسبابه عن جملة تجاوزات وممارسات قضائية فاضحة،حصلت في السنوات الماضية، وفي مقدمتها ماقامت به قاضية العهد العوني غادة عون،بايحاء وتوجهات سياسية مكشوفة،باكثر من ملف مفبرك،من بينها الاجراءات التي اتخذتها بقضية شركة ميشال مكتف المالية، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغيرهما من الملاحقات،التي تخللتها تصرفات وسيناريوهات مهينة لسمعة وصدقية القضاء ككل، وكانت ردة الفعل عليها من الوزير التزام الصمت المطبق،بايعاز من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ألذي يوعز بفبركة هذه الملفات بهدف التشفي السياسي،بينما كانت ردة فعل مجلس القضاء الاعلى وحتى مدعي عآم التمييز القاضي غسان عويدات،متراخية ودون المستوى المطلوب، ما ادى إلى تمادي القاضية عون في تجاوزاتها التي فاقت كل المحاذير ولم تعاقب عليها حتى اليوم،باستثناء اجراءات خجولة،لم تضع حدا لتجاوزاتها، الامر الذي عرض المجلس والقاضي عويدات لانتقادات حادة، لهذا التراخي وغض النظر ،وطرحت تساؤلات واستفسارات عديدة، عن خلفيته، وما اذا كان بهدف وعود بمناصب سياسية وما شابه.
وشددت المصادر على انه لو طبق المجلس القوانين على مخالفات القاضية عون منذ البداية،ولم يتردد ويترك الامور على حالها، لكان وفر الكثير من التداعيات والفوضى في القضاء، ولما تفرد المحقق العدلي بتفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، باتخاذ قرار معاودة مهماته بالتحقيق بالملف شخصيا، متجاوزا صلاحياته القانونية.