اليوم الخميس 29 أيلول 2022 سيسجل في تاريخ الاستحقاق الرئاسي الذي يفترض ان يقود الى انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية انه شهد الجلسة الأولى والمحاولة الأولى لاخراج جمل الاستحقاق من خرم ابرة التعقيدات والانقسامات العمودية والافقية التي تطبع واقع برلمان 2022 تماما كصورة عاكسة لبلد ممزق متهالك متهاو تحت وطأة أسوأ انهيار شهده في تاريخ تكوينه . هذا الواقع يفترض نظريا ومبدئيا ان "يحرض" النواب والمؤسسة الاشتراعية لا ان يحضهم فقط على الانعقاد المتواصل وعدم تفويت أي وقت متاح من ضمن المهلة الدستورية المتبقي منها شهر ويوم بعد لانتخاب الرئيس الجديد الذي يجب ان يفتح انتخابه باب الخروج الكبير من "جهنم" . ولكن الامال والاماني والاطار النظري شيء والواقع الملموس شيء اخر مغاير.
بطبيعة الحال بدا المشهد السياسي امس كأنه "على رأسه الطير" اذ نجح "عراب اللعبة " الداخلية البرلمانية الرئيس نبيه بري في تحريك القعر السياسي والنيابي الراكد والمتثاقل من خلال توجيه دعوته الى جلسة اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية في أولى الجلسات منذ بدء المهلة الدستورية في الأول من أيلول الحالي . ولكن هذا "النجاح" الشكلي لا يعني ان المجلس ذاهب اليوم الى انتخاب الرئيس الجديد ولا حتى في الافتراضات الأكثر واقعية لان اطلاق المسار الانتخابي لا يواكبه اكتمال اطار المبارزة او السباق الى بعبدا بدليل ان أي فريق "عريض" او أي ائتلاف بين الكتل الموالية في محور 8 اذار او تلك المعارضة والسيادية والتغييرية لم يتكمن عشية الجلسة من حسم مرشحه او مرشحيه للرئاسة ولم يكن اعلان النائب جبران باسيل مساء امس عن ان نواب "تكتل لبنان القوي" سيصوتون باوراق بيضاء سوى اثبات على ان الفريق "الممانع" لم يحدد بعد مرشحه فيما لم تتوحد أيضا القوى المناهضة المعارضة على مرشح واحد ولو انها اقتربت كثيرا من حصر الأسماء وتقليص الخيارات . بذلك يكون السيناريو الأكثر ترجيحا ان الجلسة ستغدو اختبارا ليس للانتخاب وانما لنصاب الثلثين الذي سيصبح معيار المواجهة الضمنية اقله اليوم . فالكتلة التي ستتخلف وتقاطع ستتعرض للاستهداف والاتهام بالعمل على التعطيل فيما يدرك الجميع تعذر الانتخاب لعدم امتلاك أي ائتلاف الأكثرية الكافية لانجاح مرشحه هذا في حال اشرقت شمس اليوم على مفاجأة من عيار التوصل الى طرح مرشحين جديين نهائيين .
أتت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية اليوم على وقع تراجع الاهتمام بالملف الحكومي الذي سجّل أمس انخفاضاً كبيراً في منسوب التفاؤل بعدَ بروز معطيات تؤكد وجود تعقيدات تتعلق بشروط جديدة ستؤخر تشكيلها.
والقناعة الراسخة لدى الجميع أن مجلس النواب لن ينتخب اليوم رئيساً جديداً. لكننا أمام اختبار مهم لرسم اتجاهات المأزق السياسي والدستوري المُرتبِط بهذا الاستحقاق، وهي أول بروفا للنوايا والنصاب والتحالفات والمرشحين. فما خلفية الدعوة والوقائع المُحيطة بها؟
مصدر قال لجريدة «الديار» أن الرئيس برّي قام بضربة مُعلم إذ أن هذه الجلسة ستكون بمثابة الدورة الأولى لعملية الإنتخاب والتي أغلب الظن لن تؤدّي إلى إنتخاب رئيس. وبالتالي، فإن الدعوات الأخرى لإنتخاب رئيس أصبحت أكثر سهولة لإيصال رئيس معه الأكثرية المطلقة. وإذا كان البعض يعتبر أن الدورة الثانية يجب أن تلي مباشرة الدورة الأولى، يقول المصدر أن هذا الأمر غير ضروري.تقول المصادر ان خلاصة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اليوم، تتوقف على الخطوة التالية لرئيس المجلس، وما اذا كان سيرفع الجلسة في حال لم يصل اي من المرشحين الاصوات اللازمة للفوز بالدور الاولى، ام سيستانف التصويت في دورة ثانية على الفور، وفي حال اعتمد عقد الجلسة الثانية على الفور، اذا كان النصاب القانوني مؤمنا، عندها يمكن ان تحصل مفاجأة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وان كان هذا مستبعداً اليوم، في ضوء الاجواء السياسية السائدة حاليا.