بدا التحفظ والتريث والتمهل في اطلاق القوى السياسية اللبنانية "زخات" التعليقات والمواقف والتفسيرات حيال "الانتكاسة" المتعثرة التي طبعت الاجتماع الأخير الذي عقدته اللجنة الخماسية المعنية بمتابعة الازمة الرئاسية في لبنان على هامش الدورة العادية للأمم المتحدة في نيويورك، سيد المشهد الداخلي بما عكس الى حدود بعيدة واقع التفاجؤ الذي اثارته هذه الانتكاسة وتجنب السقوط في زلات الاستنتاجات المتسرعة المبكرة قبل توافر الحد الأدنى من المعطيات والمعلومات الجدية المثبتة حيال أسباب انفراط صدور موقف جديد للخماسية بإزاء اشتداد التأزم في لبنان. وإذ تراهن أوساط سياسية متعددة على تسرب أجواء إضافية في قابل الأيام علها تحمل معالم إعادة رسم الخط البياني للتحرك الخارجي حيال لبنان سواء من خلال المهمة "المستمرة" مبدئيا للموفد الفرنسي جان ايف لودريان، او من خلال التحرك المرتقب للموفد القطري خصوصا بعد الكلام المتقدم عن لبنان لامير قطر من على منبر الأمم المتحدة، فان ذلك لم يحجب قلقا مستجدا تركه خروج التباينات بين الدول الأعضاء في الخماسية ولا سيما بين الولايات المتحدة وفرنسا الى العلن.
هذا القلق يتصل، وفق أوساط ديبلوماسية معنية بمواكبة مسار المجموعة الخماسية حيال الازمة الرئاسية، بما يمكن ان تثيره انتكاسة نيويورك من تداعيات في ظل افتقاد الازمة الى مرجعية متماسكة ولو لظرف قد يكون موقتا. اذ ان شيئا لا يضمن ان تكون هذه الانتكاسة نتيجة تشتت واسع في أولويات الدول الخمس التي تتشكل منها الخماسية، وهو الامر الذي جعل لبنان يتراجع اكثر فاكثر في مراتب الأولويات الدولية. ناهيك عن ان عدم التوصل الى اتفاق يكفل مضي الدول الخمس باستكمال الضغط على القوى اللبنانية لتنفيذ مضمون "بيان الدوحة" للخماسية عكس واقعيا وجود تباينات ليس بين فرنسا والولايات المتحدة فحسب بل بين فرنسا والدول الثلاث الأخرى أيضا أي السعودية ومصر وقطر. وتاليا تتساءل الأوساط نفسها كيف سيكون عليه واقع الخماسية كـ"مرجعية" وحيدة للازمة قبل بلورة طبيعة التحركين الفرنسي والقطري ؟
ففي المعطيات التي تم تداولها في الساعات الأخيرة انه على عكس ما تم الحديث عنه سابقا عن وجود نقاط مشتركة بين باريس والرياض، تبين في حقيقة الامور بحسب مصادر ديبلوماسية ان رؤيتهما حيال انتخابات الرئاسة متباعدة وان كل ما رافق لقاء النواب السنّة عند السفير السعودي وليد بخاري وبحضور الموفد الفرنسي جان - أيف لودريان لم يخرج اكثر من حدود قواعد العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين حيال لبنان رغم علاقاتهما الجيدة على مستوى ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية المشتركة بينهما، لكن لا يبدو انهما يلتقيان حيال الملف الرئاسي في لبنان وتشعباته المعقدة.
واذا درج المسؤولون في المملكة على عدم الكشف عن ملاحظاتهم واتتقاداتهم في الاعلام، ثبت انهم ليسوا على موجة واحدة مع باريس منذ بدء مبادرة الاخيرة واعلانها تأييد المرشح سليمان فرنجية .
ورأى متابعون لـ»الخماسية»، أنّ لبنان لم يعد معلقاً على موعد جديد لوصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان، وإذا عاد مطلع الشهر المقبل، كما تردد أمس، فسيكون في سياق سائر أدوار أطراف اللجنة الآخرين وهم: الولايات المتحدة والسعودية ومصر. أما الدور الرئيسي فسيكون لقطر.وفي ما يتعلق بالاجتماع الأخير لـ»الخماسية»، فقد استمرت تردداته وآخرها، انتقاد مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف المبادرة الفرنسية، ما نقل عملياً الدعم الأميركي من باريس الى الدوحة التي تحظى أيضاً بدعم سعودي واضح.
في هذا الوقت، تترقب الأوساط السياسية ما يحمله الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني الذي وصل الى بيروت أمس الأول على أن يقوم بجولة على عدد من القوى السياسية. ويتردد أن اللجنة الخماسية كلفت قطر مهمة إيجاد مخرج للأزمة الرئاسية. إلا أن مصادر «البناء» أكدت بأن المبادرة الفرنسية قائمة ولم تنتهِ، ولودريان سيعود الى لبنان بمقترحات تتركز على الحوار للتوصل الى تسوية رئاسية، وقد يجري مروحة من المشاورات الثنائية مع رؤساء الكتل النيابية حول الأسئلة التي سبق وسلمها للنواب، تسبق دعوة بري للحوار.
في المقابل، تقول مصادر ديبلوماسية لـ"الديار" ان طريق بعبدا تنتظر اجتماعات مسقط بين الاميركيين والايرانيين، مع تأكيدات بانضمام السعوديين اليها، لوضع اللمسات الاخيرة للاتفاق اليمني، وانهاء كل الشوائب والعقد التي حالت دون التنفيذ الشامل لوقف اطلاق النار، وسط مباحثات ايجابية في الرياض بين وفد الحوثيين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ولفتت المصادر الديبلوماسية الى ان هذه التطورات الايجابية بين واشنطن وطهران برعاية مسقط والدوحة، ستشمل الملف الرئاسي اللبناني حتما، لكن هذا الامر يتطلب بعض الوقت، كون الجهود منصبّة الآن على اليمن ثم سوريا، والاجواء ايجابية، فيما طريق «الخماسية» مسدود كليا، وكل دولة تعمل على هواها في ظل خلافات اميركية - فرنسية عميقة، وتباينات سعودية - قطرية وتمنيات مصرية.
واكدت المصادر ان هذه الخلافات ترجمت في الاجتماع بين الدول الخمس على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، واقتصرت المشاركة على نائبة وزير الخارجية الاميركي باربرا ليف، والمندوبين السعودي والمصري في الامم المتحدة، وكذلك قلصت فرنسا مستوى تمثيلها ولم يحضر لودريان، والارفع تمثيلا كانت قطر، رغم ان الاجتماع كان مخصصا لوزراء الخارجية، واستمر لـ 25 دقيقة بعد ان كان محددا بساعة.