لم تكن مفاجئة موافقة مجلس القضاء الأعلى، وبإجماع كامل الأعضاء، على اقتراح وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال القاضي هنري الخوري تعيين محقق عدلي رديف في ملف انفجار المرفأ، توكل اليه مهام محددة تنحصر في “الإطار الصحي والإنساني”، وفق ما ورد في كتاب وزير العدل المصرّف للأعمال، ومنها البت في طلبات تخلية سبيل الموقوفين بالقضية على سبيل المثال لا الحصر، الى حين عودة المحقق الأصيل أي القاضي طارق البيطار الى استئناف عمله بعد توقيف قسري على مدى تسعة أشهر بسبب كمٍ الدعاوى المرفوعة ضده من سياسيين ملاحَقين في الملف ويطالبون بتنحيته لأسباب باتت معروفة من القاصي قبل الداني.
” تكويعة” القاضي عبود شكلت مفاجأة من العيار الثقيل وإن كانت متوقعة لمَن يتابع عن كثب مسار التحقيق، حتى لو أتت تحت عنوان “إخراج الملف من دائرة الجمود والتعطيل”، إذ لطالما إتُهم “الريس عبود” بدفاعه عن القاضي البيطار من خلال منع أي قاضٍ من إصدار قرار يتعلق “بالدعاوى الأربعين” المقدمة ضد البيطار أو نقل الملف الى قاضٍ آخر.ما يمكن قوله أن القرار لم يأتِ وليد ساعته، بل هو نتاج اجتماعات مطولة وجلسات مغلقة كانت تُعقد بعيداً عن الإعلام أفضت الى اتخاذ قرار غير مسبوق بتعيين محققين عدليين في قضية واحدة، ما سيخلق أزمة جديدة ستنعكس حتماً على واقع القضاء المعتكف والمضرِب والمأزوم أصلاً.
مَن يعرف القاضي طارق البيطار عن قرب يمكنه أن يجزم غيابياً بأن الرجل لن يرفع ” الراية البيضاء ” بسهولة، وهو بالتالي أمام خيارين لا ثالث لهما: أما رفض القرار وبالتالي الإمتناع عن تسليم الملف الذي شارف على نهايته وبات على قاب قوسين أو أدنى من إصدار القرار الإتهامي تمهيداً لإحالته على المجلس العدلي للبدء بجلسات المحاكمة، ما يعني عودة التحقيقات الى المربع الأول، وإما تقديم إستقالته من السلك القضائي برمّته ورفض العودة الى محكمة الجنايات في بيروت، ما يشكل خسارة موصوفة نظراً للكفاءة العالية، كما النزاهة اللتين يتمتع بهما الرجل.
في المسار الروتيني الإداري، وبانتظار ما سيقوم به القاضي البيطار كردة فعل، سيسعى وزير العدل الى جوجلة الأسماء التي يعتبر أنها مؤهلة لتولي منصب القاضي الرديف، مقدماً ثلاثة منها الى مجلس القضاء الأعلى الذي عليه اختيار واحد منها أصولاً.
في المحصلة، العالم أجمع بدوله في أصقاع الأرض الأربعة يعرف حقيقة مَن أحضر نيترات الأمونيوم ومَن خزّنها ولماذا ومَن أو ما تسبّب بانفجارها إلا المسؤولين عندنا الذين يجتهدون بتقديم الفتاوى غير المسبوقة في تاريخ القضاء العدلي حمايةً للمرتكبين والمتورطين على جري عادة العدالة المبتورة فوق أقواس محاكمنا.