العبارة في الأساس "داحس والغبراء"، وهي تؤشر الى أطول الحروب التي خاضها وعاشها العرب في العصر الجاهلي، وتُستخدم في أيامنا هذه للدلالة على ضراوة أي حرب وعلى أمدها الطويل، ومن مساوىء الصدف أيضاً أنها تنطبق "حَفراً وتنزيلاً "، على ما جرى أخيراً في العدلية من معارك قضائية تتصل بملف انفجار مرفأ بيروت، وما سوف يجري بدءاً من الغد السادس من شباط.
هناك مَن يجزم بأن محاولة تطيير التحقيق ستزداد شراسة من خلال ما يشبه الإنقلاب في العدلية، وأنه في أحسن الأحوال لن نصل الا الى حقيقة مجتزأة لن تطال الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء جريمة العصر.
قُطبا المعركة، أي المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي في الجريمة غير النووية القاضي طارق البيطار، مصرّان على ما يبدو على الذهاب الى الآخر في الإجراءات التي يتخذانها، فالبيطار المعروف بثباته على مواقفه، لم يأبه للتهديدات غير المباشرة التي وصلته، وهو مصرّ على استكمال استدعاءاته المقرّرة ضد سياسيين وأمنيين وقضاة بدءاً من الغد ولغاية الثاني والعشرين من شباط الجاري، وهو يتحضر لإصدار مذكرات توقيف ضد مَن سيتخلّف عن الحضور، علماً أن مذكرات التوقيف في العادة هي إدارية وتبقى قائمة أصولاً حتى لو لم تُنفذ، مستنداً بذلك الى قانون المحاكمات الجزائية، ومتجاوزاً قرارات كفّ يده عن الملف، وصولاً الى وضع هيكلية واضحة لقراره الإتهامي تمهيداً لإحالته على المجلس العدلي، صاحب الكلمة الفصل لناحية القبول بالقرار من عدمه، كونه هيئة مستقلة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز.
في المقلب الآخر، كان الرئيس عويدات واضحاً في رسم المسار الذي سيتّبعه عندما صرّح " يبدو أن التنحّي ليس وارداً في القانون لدى القاضي البيطار، لذا أنا أيضاً سأعتبر نفسي غير متنحٍ في قضية المرفأ…"، من هنا يمكن الاستنتاج أن ما يجري في العدلية قد يخرج عن كل المسارات القانونية، وبالتالي سيترتّب عن ذلك نتائج غير قانونية، فالقاضي عويدات يتصرّف وفق معادلة " الإدعاء بالإدعاء" لردع البيطار عن استكمال مسار التحقيق لمعرفة حقيقة مَن أدخل نيترات الأمونيوم الى مرفأ بيروت، ومَن هي الجهات السياسية والأمنية التي غطّت إدخالها وتخزينها في العنبر رقم ١٢، ومَن حفرَ " كوّات" في جدار العنبر لإخراج كميات متفاوتة من النتيرات وإرسالها الى سوريا واليمن والعراق، وهل كان لدى المنظومة السياسية الحاكمة أي فكرة أو أقله أي استشعار بأن مرفأ بيروت كان واحداً من " بنك أهداف إسرائيل"، والأهم من كل ذلك، ما هي قدرة المحقق العدلي على الصمود أمام عاصفة شعواء هبّت في وجهه، وهل يكفي الإسناد الشعبي خصوصاً أهالي الضحايا والشهداء للثبات على موقفه؟
كلها أسئلة مشروعة بُنيت على طروحات هجينة بدأت بما يُسمّى بالارتياب المشروع، الذي تمكنت الطغمة الحاكمة بواسطته من " قبع" المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان، و" هلق صار وقت قبع المحقق العدلي الثاني القاضي البيطار"!!
بدءاً من الغد، لن تكون العدلية بمنأى عن ارتجاجات أمنية وسياسية ستنسحب حتماً على الشارع المأزوم أصلاً….وكل ما يمكن قوله بانتظار الساعات المقبلة:" اللهم نستودعك لبنان وأهله…."