ليس في الأمر مبالغة إن قلنا، بتحويرٍ يقتضيه موضوع الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ومنها مصلحة تسجيل السيارات والآليات، إن الداخل الى “النافعة” مفقود والخارج منها مولود.
عدد الموقوفين بلغ حتى كتابة هذه السطور ٤٢ في ملفات الاحتكار وبيع صكوك بيع السيارات واللوحات بأسعار تفوق أضعاف أضعافها، وتقاضي الرشى التي تُسمّى بالمصطلح اللبناني ” إكرامية” تكون في كثير من الأحيان ” حرزانة”، وابتزاز المواطنين وبيع رخص سوق من دون امتحانات وتزوير دفاتر السوق ولوحاتها البيومترية واستعمال المزوّر وتسجيل سيارات ودراجات نارية من دون وجود أصحابها أو حتى من دون أن يكونوا مقيمين على الأراضي اللبنانية.
“حجم ملف الفساد في الأقسام والخدمات التي تقدمها النافعة وكل ما يتفرّع عنها ضخم ومتشعّب”، بحسب ما أفاد مصدر قضائي رفيع ل “LebTalks”، مرجّحاً التوسّع في التحقيقات في ملفات بلغت حتى الآن ٢٠ ملف فساد في مركزي الأوزاعي والدكوانة، مع ” تشكيلة” موقوفين من موظفين وعناصر أمنية ومعقبي معاملات وسماسرة وأصحاب مكاتب تسجيل السيارات وقاطعي الوصولات، مع توقّع ارتفاع أعداد المشتبه بهم مع توالي اعترافات الموقوفين على بعضهم البعض، وسط حال استغراب وصدمة من حجم الفساد المستشري في النافعة و” أخواتها”.
القصة بدأت مع تلقي المحامية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب كتاباً وارداً من المديرية العامة لأمن الدولة يفيد عن بيع رخص سير أو دفاتر سواقة في مركز الأوزاعي من دون إجراء امتحانات لأصحابها، ومع مخابرة أمن الدولة للقاضية الخطيب فتحت تحقيقاً بدورها بالموضوع ثم أحالت الملف على شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، والتي باشرت التحقيقات كما التوسّع فيها بإشارة من النيابة العامة، لتبدأ بعدها حملة التوقيفات وتتوالى المحاضر الجزائية في حق المشتبه بهم الى حد الاستماع أيضاً الى إفادات عدد من المواطنين الذين حصلوا على دفاتر السوق المشتبه بها.
القاضية الخطيب وجهت ٤ كتب الى وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي مطالبةً إياه بإعطائها الإذن لملاحقة رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم بجرم الإهمال الوظيفي، وهي كانت قد أوقفت في ملف مشابه في العام ٢٠١٩، لكن مولوي لم يُجب بعد على هذه الكتب، علماً أن القاضية الخطيب تلاحق الموقوفين سنداً الى قانون الإثراء غير المشروع الذي يسمح لها بتوقيفهم من دون الحصول على إذن من إدارتهم أي وزارة الداخلية كون النافعة مؤسسة عامة تخضع لوصاية هذه الأخيرة، مع الإشارة الى أن المهلة القانونية المعطاة لوزير الداخلية تنتهي هذا الأسبوع.
على مكتب قاضي التحقيق الأول في جبل نقولا منصور نحو ثمانية ملفات حتى الآن متصلة بفساد النافعة محالة اليه من القاضية الخطيب، والتسريبات تشي ببدء جلسات التحقيق هذا الأسبوع، في وقت أُقفل فيه مركز الدكوانة بالكامل بسبب توقيف أكثرية موظفيه، بعد إقفال مركز الأوزاعي، فهل ستصل التحقيقات الجارية وما تبوح به الى إدانة المشتبه بهم بهدر المال العام الذي يصل الى ٣٠٠ مليون ليرة يومياً لواحدٍ من كبار موظفي النافعة على سبيل المثال لا الحصر، أم أن سياسة النافذين في الدولة ستفعل فعلها، كما جرت العادة، لتأمين غطاء الحماية لعدد من “المحظيين” بحيث تهتز النافعة من دون أن تقع ويبقى حبل الفساد على غاربه؟
