في 23 أيار 1976 أطل عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” صلاح خلف “ابو اياد”، في مهرجان خطابي اقيم في جامعة بيروت العربية معلناً “ان شهداء الثورة الفلسطينية الذين قتلوا في عيون السيمان وعينطورة وصنين، انما سقطوا لأن طريق فلسطين ﻻ يمكن ان تمر اﻻ في عيون السيمان وجونية…”
وكأن الطريق التي سلكتها البوسطة بخلاف مسارها المرسوم لها من امام موقع محاولة اغتيال بيار الجميل امام كنيسة سيدة الخلاص في عين الرمانة وسقوط الشهيد جوزف ابو عاصي في 13 نيسان 1975، هي من ضمن انحرافات الثورة الفلسطينية والسلاح الفلسطيني وكفاحه المسلح منذ اتفاقيتي القاهرة في 1969 وملكارت 1973 واندلاع الحرب بعد شرارة البوسطة في 1975، وللعبرة وانصافاً لمن وقف يومها بوجه “السلاح البديل عن سلاح الدولة” و”الوطن البديل للشعب الفلسطيني” والذي بدأت ملامحه وتجلّت في دويلة “فتح لاند” في الفاكهاني والجنوب اللبناني، من الضروري الوقوف عند محطات ثلاث من مراجعة والعودة عن أخطاء وخطايا الحرب منذ شرارة 13 نيسان 1975 والقراءة في حقيقة وجهة سلاح مواجهاتها تحت حجج وذرائع وغطاء حماية القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ووهم تحرير القدس وفلسطين عبر عبور طرقات ومناطق بعيدة عن المسار والخط الذي يصل الى القدس او يوصل الى حمايتها حتى.
من الضروري وللعبرة وبعد مرور ثلاث سنوات على شرارة 13 نيسان 1975 برأ “أبو أياد” نفسه، حزب “الكتائب” من حادثة عين الرمانة”، في تصريح له بتاريخ 28 نيسان من العام 1978، في كتابه “فلسطيني بلا هوية” بإقراره “ان الكتائب لم تكن مسؤولة عن الحادثة” (بوسطة عين الرمانة)…
وبعد عقود من محاولات العزل والتجريم والتخوين والاتهامات لمن قاوم ممارسات وتفلت السلاح الفلسطيني، من الضروري أن نقرأ ما ورد في اعلان فلسطين في لبنان (وثيقة اعتذار من الشعب اللبناني)، وما أذاعه ممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس ذكي في 7 كانون الثاني 2008: “من الإنصاف القول إن التورُّط الفلسطيني في لبنان، على نحو ما شهدنا، وبخاصة أثناء حروب 1975 ـ 1982، إنما كان في مجمله قسرياً بفعل ظروف داخلية وخارجية، أشبه ما تكون بالظروف القاهرة… لا نقول هذا تنصلاً، ولا من قبيل نسب ما جرى إلى المؤامرة، بل رفقاً بالضحيتين (لبنان والفلسطينيين)، وفتحاً لباب المراجعة، ومساعدةً لأنفسنا جميعاً على تنقية الذاكرة. وأياً كان الأمر، فإننا من جانبنا نبادر إلى الاعتذار عن أي ضرر ألحقناه بلبنان العزيز، بوعي أو من غير وعي. وهذا الاعتذار غير مشروط باعتذار مقابل”.
كذلك نقرأ في ما كاشف به اللبنانيين في 7 آب 2005 الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي الراحل محسن ابراهيم في المهرجان التأبيني في أربعين جورج حاوي رفيقه وشريكه في تأسيس “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”- “جمّول” قبل ان تقضي عليها “المقاومة الاسلامية في لبنان”… تحدث ابراهيم في مكاشفته عن خطأين ارتكبها “الوطنيون” حلفاء الفلسطينيين”، الخطأ الأول: إننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، طاقة وعدالة وإنصافاً…
والخطأ الثاني: إننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم إختصار الطريق إلى التغيير الديمقراطي. فكان ما كان ـ تحت وطأة هذين الخطأين ـ من تداعيات سلبية خطيرة طاولت بُنية البلد ووجهت ضربة كبرى الى الحركة الوطنية وفي القلب منها يسارها الذي كان واعداً في يوم من الأيام”.
اثبتت الوقائع ان الحزب لم يتعلّم من تجارب من سبقوه في محاولتهم ابدال انفسهم بالدولة اللبنانية عبر السيطرة عليها وتقويضها، وفي محاولتهم السيطرة على لبنان وحكمه، إذ يقول ياسر عرفات في هذا الاطار: “سأحكم الضفة الغربية وقطاع غزة كما حكمت لبنان”، وطبعاً لم يأخذ الحزب العبرة من صلاح خلف الذي حرف مسار طريق القدس عبر محاولته عبور جونية وعيون السيمان اذ يقول امين عامه الراحل السيد حسن نصرالله في 11 تموز 2015: “طريق القدس يمر في القلمون والزبداني وحمص وحلب ودرعا والحسكة”، وليقول في 16 شباط 2016: “الشهداء الذي سقطوا في سوريا هم مثل شهداء حرب تموز”.
أما اليوم وفي الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانية والتي وصّفها المعنيون أعلاه واستفادوا من عبرها واعتذروا عن “شططهم” فيها وامام الواقع الذي أوصل الحزب نفسه اليه بشراً وحجراً وقيادات وبنى تحتية وترسانات مفككة مدمّرة وحلفاء مقطوعي الأيدي مقصوفين مقصيين وداعمين ساقطين هاربين، ومفاوضين مهادنين مع الشيطانين الاكبر والاصغر، وأمام ما وقّعه مرغماً وما ايده في مجلس الوزراء في 27 تشرين الثاني 2024 ووافق عليه في انتخاب الرئيس قبيل خطاب قسمه ومنحه البيان الوزاري الثقة، وامام ما شاهده على شاشات التلفزة في تأكيد واصرار الرئيس العماد جوزاف عون في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانية على حصرية حمل السلاح للدولة اللبنانية الحامية وحدها للبنان ارضاً وشعباً بقواها الشرعية الرسمية المحددة بالجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة والجمارك والشرطة البلدية، امام كل ما ورد يصبح لزاماً على الحزب ان يرمي جانباً مكابرته اولاً وسلاحه حتماً وثانياً، وان يحذو حذو ابو اياد (صلاح خلف) وابو مازن (محمود عباس) وابو انيس (جورج حاوي وابو خالد (محسن ابراهيم) في المراجعة والتراجع والاعتذار واللبنانيون جميعاً في الانتظار ان يتراجع الحزب عن ما يعتقده وقاله أمينه العام الراحل حسن نصرالله ونشرته صحيفة السفير في 3 تموز 1991: “الدنيا في فكر الحزب فانية ومحدودة، نحن قوم ننمو ونكبر في الدمار”.
وفي انتظار ان يعتبر الحزب من قول الرئيس جوزاف عون في 12 نيسان 2025: “وقسماً بأبنائكم والأجيال القادمة، وحدتنا هي سلاحنا، وسلاحنا هو جيشنا، لكي تكون كل خمسينيات السنوات المقبلة أيام خير، وسلام، وفرح، وحياة، لأننا خُلقنا للحياة… والحياة خُلقت لنا”.