كتب جاد حاوي:
ما عاد الجنوب آمناً كما كان في ستينيات القرن الماضي. يُخبر الجندي المتقاعد أحمد مصطفى، الذي خدم في الجيش اللبناني متنقلاً بين الخيام ومرجعيون، كما بين الصرفند وأطراف مدينة صيدا، عن سنوات خدمته التسع هناك. لم تكن الحياة صعبة ولا خطرة، فيما كانت مهمته ورفاقه الأساسية حفظ الأمن عند الحاجة، ولم تكن إسرائيل تهاجم لبنان، إذ كان العمل قائماً خلال تلك الفترة باتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949، والتي أمّنت استقراراً وهدوءاً في الجنوب اللبناني.
كان أحمد ورفاقه يفرضون سيادة الدولة اللبنانية بوجه إسرائيل، ويحرصون على دمج أطراف البلاد في الدولة اللبنانية، بينما يقضي اليوم، من منزله في عكار، آخر أيامه في هذه الدنيا يعيش بسكينة وهدوء، بينما الجنوب اللبناني فقد كل مقومات الصمود والسيادة، وتضاءل دور الجيش هناك بعدما اندلعت الحرب بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله”، وغابت كل سكينة وهدوء.
واللافت في هذه الحرب العبثية الدائرة في الجنوب الآن، والتي تطال البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت حيث التواجد العسكري للحزب، أن الحزب بذاته أثبت أنه غير قادر على مواجهة إسرائيل أو على حماية نفسه حتى، فكيف بالحري على حماية لبنان.
فحين يُقتل أرفع مسؤولي “حزب الله” السياسيين والعسكريين والأمنيين، وعندما تُلغّم وتُفجّر قرى الجنوب الحدودية، تسقط، بالفعل لا بالقول أو الشعار، كل سرديات الصمود وحماية البلد.
كان رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري أذكى وأكثر فطنة من “حزب الله” عندما عمل على إرساء “تفاهم نيسان” بين لبنان وإسرائيل، لأنه كان يعي تماماً أن التعامل مع الخطر الإسرائيلي لا يمكن أن يكون في مصلحة لبنان إلا إذا اعتمد الأدوات السياسية والدبلوماسية. كل من جرب مقارعة إسرائيل بالسلاح عاد خائباً، وهذه حقيقة ثابتة.
بدورهم، كان أرباب السياسة والحكم اللبناني في خمسينيات وستينيات القرن الماضي على دراية حقيقية بأن لا مناص من التوصل إلى اتفاق سياسي بالحد الأدنى لترويض إسرائيل، وحماية الناس في الجنوب من خلال بسط الدولة لسيادتها كاملة من دون نقصان هناك.
مر عام وشهر كامل على الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، والنتيجة الواقعية والملموسة أثبتت أن تفرد الحزب بقرار الحرب أضر بلبنان، وجعل جنوبه وكل ربوعه حقل رماية للطائرات الإسرائيلية. أثبت الواقع أن الحزب لم يتمكن من حماية لبنان أو حماية نفسه بالحد الأدنى. أثبت الواقع أن الجيش اللبناني أمامه دور مهم في المستقبل القريب، وهو دور إعادة بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وإعطاء اللبنانيين فسحة من السلام والسكينة والهدوء لأجل إعمار ما تهدم وإنقاذ ما تبقى.