أطفال لبنان.. حين تُسرق الطفولة باسم السياسة

Untitled-1

في السنوات الأخيرة، ومع الانتشار الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي داخل البيوت اللبنانية، برزت ظاهرة مُقلقة: أطفال يردّدون شعارات حزبية، يغنّون أغانٍ سياسية، ويُمجّدون زعماء لا يعرفون عنهم سوى الاسم والصورة. فيديوهات تُصوَّر داخل المنازل أو في التجمعات، يضحك عليها البعض، ويصفّق لها آخرون، بينما يغيب السؤال الأهم:

هل هؤلاء الأطفال يعبّرون عن قناعة، أم يكرّرون ما زرعه المجتمع من حولهم؟ وما هي الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الممارسة على نمو شخصيتهم؟

ففي بلد يقوم جزء كبير من هويته السياسية على الانتماء الوراثي، لا يُعطى الطفل فرصة لاختيار موقفه أو تكوين رأيه، لأن الانتماء الحزبي غالباً يُنقل كما يُنقل الاسم أو الطائفة.

وفي هذا السياق، كشفت علا خضر، اختصاصية نفسية للأطفال ومعالجة نفسية، لموقع "LebTalks"، عن أنّ الطفل في عمر صغير لا يدرك ما يقوله، فهو يكرر ما يسمعه فقط استجابةً لما يطلبه منه الكبار أو لإرضائهم.

وأوضحت خضر أنّ "التلقين السياسي" يتم عادةً في لبنان بطريقة تربط الانتماء بالخوف أو التهديد من الآخر، أو بالإحساس بأن هناك من يريد إيذاء الشخص، مما يخلق شعورًا دائمًا بأن الآخر ليس جيدًا. وعندما يصل الطفل إلى مرحلة يتيح له التفكير النقدي، غالبًا ما يجد نفسه لا يزال متأثرًا بما غُرس فيه منذ الصغر أو بما يكرره أهله، وبالتالي يصبح الانتماء للطائفة أو التيار السياسي مرتبطًا بالولاء للعائلة أكثر من كونه قرارًا منطقيًا أو نتيجة تفكير نقدي.

كما أشارت خضر إلى أنّ الشعارات السياسية غالبًا ما تترافق مع التعصّب، وهذا التعصّب يزيد من احتمال العنف تجاه الآخر، إذ تعكس هذه السلوكيات، عقلية متأثرة بما خلفته الحرب الأهلية أو الأحداث الماضية التي نُقلت إلى الجيل الجديد.

وأكدت خضر أنّ البيئة التي يعيش فيها الطفل تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل وعيه وقدرته على التفكير النقدي. فإذا عاش الطفل في بيئة محدودة وصغيرة، حيث كل شيء متشابه، فهذا يحدّ من فرصه في التأمل الذاتي أو التفكير المستقل.

أما بالنسبة لنشر الأهالي فيديوهات أطفالهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فأوضحت خضر أنّ الكثيرين يفعلون ذلك من باب الفكاهة أو المزاح، وأحيانًا لجذب مزيد من المشاهدات. وفي لبنان، لا توجد أي رقابة على هذا النوع من المحتوى، بل يعتمد الأمر كليًا على وعي الأهل ومدى إدراكهم لتأثير هذه الفيديوهات على أطفالهم. كما أنّها لا تُشجّع على نشر مقاطع لأطفال متعلّقة بمواضيع سياسية، لأن هذه المواد تبقى على الإنترنت ولا تعكس حقيقة ما قد يفكر فيه الطفل لاحقًا.

فالطفولة ليست مجرد مرحلة، بل هي الأساس الذي تُبنى عليه شخصية الطفل وقدرته على التفكير المستقل. ما يُزرع في عقولهم اليوم، يُحدد قدرتهم على اتخاذ قراراتهم غدًا.

حماية الأطفال من "الإستغلال" مسؤولية مشتركة للأهل والمجتمع، فمتى ستتحرك الدولة لمعاقبة المحتوى الرقمي الذي يهدد نموهم النفسي والاجتماعي؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: